سورة غافر [٤٠: ١٥]
{رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِى الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ}:
{رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ}: هذه هي الصّفة الرّابعة، رفيع على وزن: فعيل من الفعل رفع.
رافع الدّرجات لأوليائه الصّالحين كقوله تعالى: {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [الأنعام: ١٦٥] بأن أنزل عليهم كتبه وأرسل إليهم رسله وشرع لهم الإسلام ديناً، فبذلك رفعهم ولم يتركهم بدون منهج.
أو قد تأتي على وزن: مفعول؛ أي: مرتفع الدّرجات في ذاته وصفاته صفات الجلال والكمال، مرتفع عن كلّ شيء وعلى كلّ شيء وعلى خلقه بصفاته العلى ودرجاته وقدره وشأنّه.
{ذُو الْعَرْشِ}: الصّفة الخامسة، ذو: ارجع إلى الآية (٣) للبيان.
ذو العرش: خالقه ومالكه؛ أي: رب العرش العظيم ورب العرش الكريم. ولمزيد من البيان ارجع إلى الآية (١٢٩) من سورة التّوبة، وسورة طه آية (٥)، وسورة هود آية (٧).
{يُلْقِى الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}: يُلقي الرّوح (أي الوحي) فسمى الوحي روحاً، والوحي يعني: القرآن، والقرآن هو روح، أو غيره من الكتب والصّحف السّماوية كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا} [الشورى: ٥٢]؛ (أي القرآن الكريم) وسمي روحاً؛ لأنّه تحيا به القلوب كما تحيا الأبدان بالأرواح.
{مِنْ أَمْرِهِ}: من قضائه أو بأمره ومن أقواله أو من شرائعه.
{عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}: على من يصطفي من عباده من الرّسل والأنبياء.
{لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ}: اللام للتعليل؛ أي: للتبليغ والدّعوة والإنذار، والإنذار: هو الإعلام مع التّحذير والتّخويف، يوم التّلاق: يوم القيامة وسمي يوم التّلاق؛ لالتقاء أهل السّماء بأهل الأرض، والأولين والآخرين والتّابع والمتبوع. والظالم والمظلوم يلتقي فيه العباد.
لينذر يوم التّلاق: أي للاستعداد لذلك اليوم وتجنّب شره.
يوم التّلاق: ولم يقل يوم التّلاقي؛ حذف ياء المتكلم ليتناسب مع قصر زمن التّلاق فلن: يدوم التّلاقي بينهم طويلاً كقوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَّمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} [يونس: ٤٥].
وكقوله تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس: ٣٤-٣٦].