سورة الأعراف [٧: ١٦٣]
{وَسْـئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِى كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِى السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}:
{وَسْـئَلْهُمْ}: ولم يقل أخبرهم عن قصة القرية التي كانت حاضرة البحر، بل لأن هذه القصة لها أهمية وشأن، والسؤال موجَّه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أن يسأل اليهود من بني إسرائيل عن قصة القرية التي كانت حاضرة البحر، وهذا السؤال له غايات عدة منها: أن هذه القصة ليست كما وردت في التوراة فهم حرفوها وغيروها، وكانوا يكتمونها، وأن الله سبحانه أطلع رسوله -صلى الله عليه وسلم- على الحقيقة فهي علامة على صدق نبوته، ولتكون أيضاً عبرة لمن يحاول الاحتيال على ما حرم الله سبحانه، وعاقبة أمره الخسران والهلاك وجدوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
{عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِى كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ}: القرية: المدينة، وقيل: هي مدينة العقبة على البحر الأحمر، أو مدين.
{حَاضِرَةَ الْبَحْرِ}: قريبة، أو مجاورة للبحر؛ البحر الأحمر على شاطئه.
{إِذْ}: ظرف زمان؛ بمعنى: حين.
{يَعْدُونَ فِى السَّبْتِ}: فقد أمروا أن يعظموا السبت؛ بترك العمل فيه، والتفرغ لعبادة الله، ونهوا عن الاصطياد في ذلك اليوم، ولكنهم خالفوا أمر الله، وتجاهلوه، وتجاوزوا الحد.
{إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ}: السمك، والعرب تستعمل كلمة الحوت، وتعني السمكة.
{يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا}: أيْ: ظاهرة على وجه الماء، شرعاً: جمع شارع من شرع عليه؛ أي: اقترب وأشرف، وتطلق على إتيان الإبل والنعم نحو الماء لتشرب إذا شرعها الرعاة تسابقت واكتظت مع الماء فهو تشبيه بديع؛ شارعة ظاهرة على وجه الماء في كل ناحية؛ فقد كان السمك يأتيهم بكثرة، ويطفو على سطح الماء، ويسهل صيده، ومن دون عناء يوم السبت فقط، وبأعداد كبيرة.
{وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ}: في باقي الأيام من النادر أن ترى سمكة في الماء.
{كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}: أيْ: مثل ذلك البلاء الشديد.
{نَبْلُوهُم}: نختبرهم، والابتلاء قد يكون في الخير، أو الشر. نبلوهم هل يطيعون ما أمرهم الله به بعدم الاصطياد.
{بِمَا}: الباء: للتعليل، أو بسبب ما كانوا يفسقون؛ لأن من سنة الله سبحانه: أن من عصاه يبتليه بأنواع كثيرة من المحن، والمصائب؛ لتزداد ذنوبه، وآثامه، أو يتوب ويعود إلى طريق الإيمان، ومن يطع الله كذلك يبتليه؛ لزيادة ثوابه في الآخرة، أو يرتد عن الإيمان، ولا يصبر.
ولكن حاولوا الاحتيال على ما حرَّم الله، فكانوا يرمون بشباكهم في البحر في غير يوم السبت؛ مثل يوم الجمعة مثلاً، وتبقى شباك الصيد في الماء؛ فإذا جاء يوم السبت دخلت الأسماك في الشباك، ولم تستطِع الخروج، وفي يوم الأحد مثلاً يخرجون شباك الصيد الممتلئة بالأسماك، وهكذا زين لهم الشيطان أعمالهم، وظنوا أن الله راضٍ عنهم.
{بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}: من الاصطياد يوم السبت، والفسق: وهو الخروج عن طاعة الله ومعصيته. ارجع إلى سورة البقرة، آية (٢٦)؛ لبيان معنى الفسق.