سورة آل عمران [٣: ١٥١]
{سَنُلْقِى فِى قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ}:
سبب النزول: كما قال السدي بعد معركة أحد ارتحل أبو سفيان، ومعه المشركون من معركة أحد متوجِّهين إلى مكة، وبعد أن ساروا عائدين قالوا: بئس ما صنعنا، قتلناهم حتى إذا لم يبق إلا الشرذمة تركناهم، ارجعوا فاستأصلوهم، فلما عزموا على ذلك ألقى الله سبحانه الرعب في قلوبهم، وعدلوا عن ذلك حيث شاع بينهم أن محمداً قادمٌ بجيش قوي جداً من المدينة؛ حيث انضم إليه مقاتلون جدد، وهو قادم في حمراء الأسد.
{سَنُلْقِى فِى قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا}: السين: للاستقبال القريب. سنلقي: من الإلقاء لا يكون إلا للأمور المادية، فكأنه حول الرعب الذي هو أمر معنوي نفسي إلى أمر مادي وأفرغه في قلوب الذين كفروا؛ حتى تمكن الرعب في قلوبهم، ولم يجرؤوا على الرجوع إلى قتال المؤمنين ورسوله -صلى الله عليه وسلم- بعد أحد.
ولم يقل: سألقي، بل قال سبحانه: سنلقي استخدم نون العظمة (نون الجمع)؛ التي تجمع كل صفات الكمال، والقدرة، والقوة، والقهر، والمنعة، وتعني: أن الإلقاء سيشمل ويعم كل هذه القلوب الكافرة، وسبب هذا الإلقاء: هو لأنهم أشركوا، وكل قلب به كفر سيلقي الله فيه الرعب، فالإشراك جاء لهم بالرعب؛ لأنهم لا مولى لهم.
{بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا}: الباء: للإلصاق، والتمسك، أو السببية، أو التعليل. ما: نكرة لغير العاقل، والعاقل.
بما أشركوا به: أي بسبب إشراكهم.
{مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا}: من آلهة، وأصنام.
سلطاناً: أي: حُجَّة، أو برهان، أو دليل على الشرك بالله يقهرهم على فعل ذلك، أو أي دليل وبرهان يبيح لهم ذلك.
والسلطان: هو الحجة القوية التي لا تدحض لقوة دلالتها، مأخوذة من مادة السين، واللام، والطاء: سلط.
والسلطان نوعان: سلطان القوة، والقهر؛ أي: قوة تقهرهم على فعل المعصية (أو الشرك).
أو سلطان البرهان والدليل القادر على إقناعهم بفعل الشرك، أو المعصية.
{وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ}: المأوى: اسم المكان الذي يأوي إليه؛ للإقامة والاستقرار. يجب أن نفرق بين المأوى والمثوى:
المأوى: هو المسكن، أو مكان الاستقرار، وجاءت مأوى في وصف الجنة والنار كقوله تعالى: {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِىَ الْمَأْوَى} [النازعات: ٣٩]، وقوله تعالى: {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِىَ الْمَأْوَى} [النازعات: ٤١]. والمأوى قد يكون حسناً أو سيئاً، وإذا كان سيئاً يعني مثوى، ولذلك قال تعالى: {وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ}، والمأوى بالنسبة لأصحاب النار قد يعني السخرية منهم يظنون مكانهم إلى الجنة، ثم يفاجؤون بأنه إلى النار، والمأوى لا يصل إليه أو يحل به إلا بعد سعي وتخطيط وتدبير.
{وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ}: بئس: فعل ذم، مثوى الظالمين: مثوى: اسم مكان من الثواء؛ أي: الإقامة، والمثوى: المستقر، وكلمة مثوى استعملها القرآن فقط لأهل النار، وأما مشتقات المثوى كقوله تعالى: {إِنَّهُ رَبِّى أَحْسَنَ مَثْوَاىَ} [يوسف: ٢٣]، وقوله: {أَكْرِمِى مَثْوَاهُ} [يوسف: ٢١]، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد: ١٩]، وكذلك قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِى أَهْلِ مَدْيَنَ} [القصص: ٤٥]، هذه المشتقات تشير إلى أن المثوى فيها كان حسناً. إذن: يجب أن نفرق بين مثوى، والتي تعني المكان السيء والضيق والمقيد لا يسمح بالحركة وأسوء من السجن والدائم. وكلمة ثاوياً، مثواكم، مثواه، مثواي: كلها تشير إلى المثوى الحسن والجيد، والمثوى ومشتقات الثوى؛ أي: المكان الذي حل به أو وصل إليه بدون تخطيط أو تدبير.
{الظَّالِمِينَ}: الكافرين المشركين.