سورة البقرة [٢: ٢٢٢]
{وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِى الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}:
هذا هو السّؤال الثالث الّذي سُئل عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في زمن واحد. سئل ماذا ينفقون، وسُئل عن اليتامى، وعن المحيض.
وإضافة الواو إلى كلمة يسألونك: تدل على أنهم يسألون رسول الله عدَّة أسئلة، وهم أمامه، وفي آن واحد.
{وَيَسْـئَلُونَكَ}: ارجع إلى الآية (٢١٥) للبيان.
{وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ}: أي: يسألونك عن الجماع أثناء المحيض.
والمحيض: يطلق على سيلان الدم، ويراد به مكان الحيض، ويراد به زمن الحيض.
{قُلْ هُوَ أَذًى}: تعريف الأذى: هو الضرر، أو ما يكره من كل شيء.
{هُوَ}: ضمير فصل يفيد التّوكيد، يعود على الجماع.
{أَذًى}: بصيغة التعميم بأنّ الأذى يصيب الرجل والمرأة.
إذن: أذى هنا لا تعود إلى الحيض بذاته، وإنما تعود على الجماع أثناء الحيض.
حيث يتساقط الغشاء المخاطي للرحم؛ مما يؤدي إلى سيلان الدم. وبالتالي يصبح الرحم كالجرح.
{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ}: الفاء: للتأكيد، {فَاعْتَزِلُوا}: أي: تجنبوا الجماع، أو الوطء في المحيض.
{فِى الْمَحِيضِ}: في: ظرفية (زمانية ومكانية)، زمن الحيض، ومكان الحيض.
{وَلَا}: الواو: عاطفة، لا: النّاهية؛ لزيادة التّوكيد.
{تَقْرَبُوهُنَّ}: تفيد التّوكيد على عدم الجماع في المحيض، والأهم من ذلك لا تقربوهن، فالاعتزال لا يكفي، بل لا تقربوهن.
{حَتَّى}: حرف غاية نهاية الغاية؛ أي: حتّى ينقطع دم الحيض، وتغتسل المرأة.
{يَطْهُرْنَ}: ينقطع دم الحيض (أو النفاس).
{فَإِذَا}: الفاء: استئنافية، إذا: شرطية تفيد حتمية الحدوث.
{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}: {تَطَهَّرْنَ}: اغتسلن (الاغتسال من الحيض).
إذن: يطهرن أولاً، ويتطهرن ثانياً؛ أي: ينقطع دم الحيض أولاً (فذاك طهر)، وثانياً يتطهرن بالاغتسال بالماء (فذلك تطهر)، فإذا انقطع الحيض لا تحل حتّى تغتسل، إذن الشرطان معاً.
{فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}: الفاء: للترتيب، والتعقيب، والمباشرة.
{مِنْ}: ابتدائية، {حَيْثُ}: ظرف مكان.
{أَمَرَكُمُ اللَّهُ}: أي: بالقبل (الفرج)، وليس في الدُّبر.
{إِنَّ اللَّهَ}: إن: للتوكيد.
{يُحِبُّ التَّوَّابِينَ}: جمع تائب: التوابين من الذنوب، والتوابين جملة اسمية تدل على أنّ التوبة أصبحت سمة ثابتة في فيهم، ووطء المرأة في الحيض لا كفارة له إلَّا التوبة، والاستغفار، وعدم العودة إليه.
{وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}: بالغسل بالماء، ومن الحدث الأصغر والأكبر.
وتكرار كلمة يحب؛ للتوكيد، ولفصل التوابين عن المتطهرين، فالله يحب التوابين، ويحب المتطهرين، ويحب كليهما معاً.
والحكمة من اعتزال النّساء في المحيض إضافة إلى الناحية الطبية، وتجنب الالتهابات والآلام الّتي تصيب الأنثى، والذكر هناك مراعاة للحالة النفسية للمرأة في هذه الفترة.
ولا حرج في الإحسان إلى الزوجة في هذه الفترة ورعايتها، والعطف عليها، ولا بد من طاعة الله فيما أمر، فاعتزال النّساء أمر تعبُّدي ـ والصبر، والتحكم في النفس والشهوة، أمر مهم في تربية النفوس التربية الإيجابية ـ، ولا يعتبر الحيض عقاباً للمرأة، بل هو في الحقيقة إكرام لها… فتبارك الله أحسن الحاكمين.
ولا بد في هذه المناسبة من المقارنة بين {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}، و {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: ١٠٨]:
المتطهرين: تعني: (الطهارة البدنية بالوضوء والغسل)؛ أي: يكتسب الطهارة بالوضوء والغسل.
المطهرين: تعني: (الطهارة القلبية من النفاق، وأمراض القلب، وقد تشمل معنى الطهارة البدنية).
وعندما يتطهر الإنسان الطهارة البدنية والقلبية قد يصبح في هذه الصفة كالملائكة المطهرين الّذين وصفهم الله في سورة الواقعة آية (٧٩): {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}؛ أي: الملائكة، والله أعلم.