للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة البقرة [٢: ٢٤٥]

{مَنْ ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْص ُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}:

في الآية السابقة حث الله سبحانه على الجهاد بالأنفس، وفي هذه الآية يحث على الجهاد بالمال، والإنفاق في سبيله، وعبر عن ذلك بالقرض الحسن فقال:

{مَنْ ذَا}: من: اسم استفهام؛ للتشويق والترغيب.

{يُقْرِضُ}: القرض: دفع المال لمن ينتفع به، ويرد بدله، أو يُعيده إلى صاحبه.

{قَرْضًا حَسَنًا}: القرض الحسن: هو القرض الّذي يُعطى ابتغاء وجه الله، ويعطى من دون منٍّ ولا أذى، وبحب لا كراهية عن طيب نفس، ومن مال طيب، وأن يتحرى الجهات الأشد حاجة إليه.

وقد وصف القرض بالقرض الحسن في كل القرآن، وجاء ذلك في (٦) آيات.

{فَيُضَاعِفَهُ لَهُ}: الهاء: تعود إلى المنفق أضعافاً كثيرة لحثه على الإنفاق.

والقرض ثوابه أعظم من ثواب الصدقة. القرض يضاعف إلى (١٨) ضعف، وأما الصدقة بعشر أضعافها.

{وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْص ُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}: {وَاللَّهُ يَقْبِضُ}: والله يُضيق على بعض في الرزق، ويوسع على بعض حسبما تقتضيه حكمته، ومشيئته.

{وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}: إليه تقديم الجار والمجرور يفيد الحصر.

{تُرْجَعُونَ}: من دون إرادتكم؛ أي: قسراً ومن دون خيار يوم القيامة.

١ - ولنقارن هذه الآية مع آية البقرة (٢٤٧)، وآية الأعراف (٦٩)، مع الانتباه إلى كيفية كتابة ولفظ الكلمات: يبصط، يبسط، بصطة.

آية البقرة (٢٤٥): {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْص ُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.

آية البقرة (٢٤٧): {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِى الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ}.

آية الأعراف (٦٩): {وَزَادَكُمْ فِى الْخَلْقِ بَص ْطَةً}.

وللمقارنة يجب أنّ نعلم: أنّ حرف الصاد يمتاز بالاستعلاء، أما حرف السين فيمتاز بالرخاوة، وإذا قارنا يبصط، ويبسط:

يبصط: أقوى وأشد توكيداً من يبسط.

وبصطة: أقوى وآكد من بسطة.

بصطة: مطلقة عامة، وبسطة: مقيدة، والمطلقة أقوى من المقيدة.

وإذا نظرنا في سياق الآيات:

بسطة: جاءت في سياق طالوت: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِى الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة: ٢٤٧].

وبصطة: جاءت في سياق قوم هود: {وَزَادَكُمْ فِى الْخَلْقِ بَص ْطَةً} [الأعراف: ٦٩].

فآية البقرة: جاءت في سياق فرد واحد، وهو طالوت، ومقيدة في العلم والجسم.

أما آية الأعراف: جاءت في سياق قوم هود أكثر من فرد، ومطلقة في الخلق.

إذن: آية الأعراف أقوى وأشد ومطلقة استعمل الصاد فيها بينما آية البقرة أضعف، ومقيدة، واستعمل السين.

٢ - وكذلك لا بد من مقارنة هذه الآية مع الآية (٢٦١) من سورة البقرة، والآية (١١) من سورة الحديد:

آية البقرة (٢٤٥): {مَنْ ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ}: لم يحدد هذه الأضعاف الكثيرة في هذه الآية، ولكنه حددها في قوله: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِى كُلِّ سُنبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: ٢٦١].

التحديد بسبعمئة ضعف، أو أكثر.

أما آية الحديد (١١): {مَنْ ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ}.

في البقرة: ذكر أضعافاً كثيرة، ذكر الكم، ولم يحدِّدها، وتركها مطلقة.

في الحديد: ذكر فيضاعفه له، وله أجر كريم: ذكر الكم (يضاعفه فقط)، والكيف أجر كريم (ذكر الكم والكيف).

ولو نظرنا إلى السياق نجد: أنّ آية البقرة جاءت في سياق القتال، وأما السياق في آية الحديد هو في الإنفاق بشكل عام، فالسياق مختلف.