للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة البقرة [٢: ١٧]

{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِى اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِى ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ}:

{مَثَلُهُمْ}: بعد أن ذكر صفاتهم، أعقبها بضرب مثلهم لنا، زيادة في البيان.

المثل هو النظير، والشبيه، الذي يقرب، ويسهل لنا فهم المعنى، ويعطينا الحكمة، و {مَثَلُهُمْ}، تعود على {الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}، وهم المنافقون.

مثلهم: {كَمَثَلِ}: الكاف للتشبيه.

{الَّذِى}؛ اسم موصول.

{اسْتَوْقَدَ نَارًا}: ولم يقل: أوقد ناراً؛ أي: بنفسه، وإنما استوقد، أي طلب؛ الألف، والسين، والتاء؛ تعني الطلب من غيره، أن يوقد له ناراً، أو حاول أن يوقد ناراً.

استوقد أبلغ من أوقد، وقد تعود على المنافق، أو تعود على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

{نَارًا}: تنكير النار هنا للتهويل، وكان العرب قديماً، يوقدون النار في الصحراء؛ لأمرين: لهداية الضال، ودعوة الأضياف.

أو يوقدها حتّى يبصر ما حوله، ويستدفئ بها، ويشعر بالأمن، من الحيوانات الضارية، ومن اللصوص.

{فَلَمَّا}: الفاء؛ للتوكيد، لما: ظرف زماني، بمعنى حين.

{أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ}: الإضاءة أو الضوء: كل إضاءة صادرة عن مصدر مشتعل بحد ذاته أي: مضيء كالشمس والنجوم والنار المشتعلة، وهذا الضوء إذا وقع على جسم معتم كالقمر أو العين انعكس وسمي نوراً، فالضوء يمتاز بنور+ حرارة (دفء).

والضوء: هو فرط الإنارة، والضوء حالة من حالات النور، والنور أعم من الضوء، وأشمل، وأوسع، والضياء أقوى من النور، أضاءت ما حوله، من المكان، أو انتفع بها، وأبصر بها، أي: بالنار، وإذا ذهب النور ذهب الضياء أيضاً، وأما إذا ذهب الضياء فلا يعني ذهاب النور كاملاً.

{ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ}: نور المنافقين؛ أي: حين اُطفئت النار، وأصبح في ظلام دامس، هو ومن حوله، لا يبصرون، وكذلك حال المنافقين، ولم يقل: ذهب بضوئهم؛ فذلك يعني لا يزال هناك نور للمنافقين، ينتفعون به، فلكي ينفي عنهم كل أنواع الهداية قال تعالى: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ}؛ أي: لم يبق لهم أمل بالعودة، إلى دين الله، وإذا كان الذي استوقد، هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فالمثل؛ يعني: أنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، جاء بالإسلام، وشع نور الإسلام، ورفض هؤلاء المنافقون، الانتفاع بالنور الذي جاء به رسول الله وعادوا إلى ظلمات الكفر والفسق.

{ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} ولم يقل: أذهب عنهم النور، ذهب؛ تعني: عدم العودة؛ ذهاب من دون رجعة، أما أذهب؛ فقد تعني: زوال، أو غير زوال، وتحتمل عودة النور.

{وَتَرَكَهُمْ فِى ظُلُمَاتٍ}: جمع ظلمة، ظلمات عديدة، متراكمة، ظلمات الكفر، والجهل، والشرك، والمعاصي، والنفاق. ارجع إلى الآية (٢٥٧) من نفس السورة لمزيد من البيان في معنى النور والظلمات، ولماذا أفرد النور وجمع الظلمات.

{لَا}: النّافية؛ لكل الأزمنة.

{يُبْصِرُونَ}: الإبصار: درك الشيء بالعين، أو رؤية الشيء بالعين؛ أي: نور، أو ضوء، يمكن أن يخرجهم من الظلمات إلى الإيمان بالله، ووحدانيته. مرة أخرى، ويختلف النظر؛ النظر: هو مجرد توجه العين أو الالتفات إلى الشيء بدون رؤيته، وإذا رأته يعني تحول إلى بصر.