سورة آل عمران [٣: ٤٢]
{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ}:
هذه الآية تتحدث عن اصطفاءين: اصطفاء أول، واصطفاء ثانٍ، ونرى في الاصطفاء الثاني أتبعه بـ (على) أما الاصطفاء الأول لم يرد فيه (على)، فهو اصطفاء مبهم، على ماذا؟ لم يذكر، فتعال لنرى مفهوم هذه الآية.
{وَإِذْ}: تعني: واذكر إذ قالت الملائكة، أو حين قالت الملائكة.
{قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ}: المراد بالملائكة هو جبريل -عليه السلام- . ارجع إلى الآية (٢٩) من نفس السورة؛ للبيان، وقد يكون ذلك على سبيل المجاز (إطلاق الكل؛ «أي: الملائكة»، وإرادة البعض؛ أي: «جبريل»).
{يَامَرْيَمُ}: يا: أداة نداء للبعد.
{إِنَّ اللَّهَ}: إن: للتوكيد، الله: اسم الله الجامع لصفاته وأسمائه. ارجع إلى الآية (٢٥٥) من سورة البقرة؛ لمزيد من البيان.
{اصْطَفَاكِ}: اختارك، أو اجتباك على ماذا؟ لم يذكر سبحانه، ومعنى اصطفاك. ارجع إلى الآية (٣٣) من نفس السورة.
{وَطَهَّرَكِ}: من الكفر، والفاحشة، والإثم، وطهرك من مس الرجال.
{وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ}: بكونك المرأة الوحيدة التي ستلد بدون زوج، وستحمل بدون أن يمسها بشر، وبكلمة كن فيكون.
إذن: الاصطفاء الأول يختلف عن الاصطفاء الثاني.
فالاصطفاء الأول: قال تعالى عنه: {اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ}: ولم يقل: على، فقال المفسرون: اصطفاها على إيمانها، وصلاحها من بين النساء.
بينما الاصطفاء الثاني: قال تعالى عنه: {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ}: جاء بعلى؛ أي: حدد فقال على نساء العالمين.
فالاصطفاء الأول يبدو أنه اصطفاء مطلق، ومبهم، وليس خاصاً بها، فقد يشاركها في هذا الاصطفاء غيرها من النساء، أو الرجال في الخلق، والصلاح، والإيمان، وجاء هذا الاصطفاء قبل الحمل بعيسى -عليه السلام- .
إذن: تكرار اصطفاك مرتين؛ لأن كل اصطفاء له ميزاته وهناك من قال أنه كرر ذلك؛ للتأكيد، والله سبحانه أعلم.