سورة الرعد [١٣: ٢٢]
{وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ}:
{وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ}: والذين: ارجع إلى الآيات السابقة.
{صَبَرُوا}: على الطاعات، وتجنب المحرمات، وعلى الابتلاءات، والباعث على الصبر: هو محبة الله، والتّقرب منه، وليس الرّياء، والسّمعة. ارجع إلى الآية (٢٠٠) من سورة آل عمران؛ لمزيد من البيان في معنى: الصبر.
{وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ}: أتموها بأركانها، وشروطها، وخشوعها، وأوقاتها.
{وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً}: تضم الصّدقات، والزّكاة، والعلم… وغيره من أنواع الرزق في السّر، والعلانية.
{مِمَّا}: من: البعضية؛ أي: بعض ما رزقناهم؛ ما: بمعنى: الذي.
{وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ}: الدّرء: هو الدّفع بسرعة؛ أي: بدون تأخير، والدّفع يكون بقوة، وشدة، (والدّرء يكون بسرعة)، أو يتبعون السّيئة بالحسنة بسرعة، والذّنب بالتّوبة، وكما قال سبحانه: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: ١١٤]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «وأتبع السّيئة بالحسنة تمحها». رواه أحمد، والترمذي، والحاكم عن أبي ذر. والحسنة شرعاً: كلّ ما يستحسنه الشّرع، ويورث ثواباً بامتثال أوامر الله، وتجنب نواهيه.
{أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ}: أولئك: اسم إشارة، واللام: للبعد؛ لعلو منزلتهم؛ يشير إلى أولي الألباب الّذين اجتمعت لهم تلك الصّفات الثّمانية، والمتأمل لهذه الصّفات يجد أنّ بعضها جاء بصيغة المضارع، وبعضها جاء بصيغة الماضي؛ مثل: يوفون، لا ينقضون، يصلون، يخشون، يخافون، يدرؤون بالحسنة السّيئة: جاءت بصيغة المضارع الّتي تدل على التّجدد، والاستمرار.
وفيها متسع من الوقت، وتؤدى في زمن غير محدد.
أمّا صبروا، وأقاموا الصّلاة، وأنفقوا بصيغة الماضي فيجب تأديتها في زمن معين، محدد.
والإنفاق؛ كالزّكاة في كلّ عام، فالكلّ يعلم أنّ الصّبر: هو القاسم المشترك لكلّ تلك الصّفات الثّمانية.
وخلاصة القول: ما كان له وقت محدد عبر عنه بالماضي، وما كان مستمراً، وليس له وقت محدد، ومتكرراً، أو متجدداً: جاء بصيغة المضارع.
{لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ}: عقبى: مأخوذة من العَقِب؛ فالقدم له مقدم، وله عقب، وعقب: هو ما يعقب الشّيء، وعقبى: على وزن فعلى، وعقبى: اسم بمعنى: الجزاء، أو آخر كلّ أمر، والّذي يعقب الدّار الدّنيا: هي الدّار الأخرى.
{عُقْبَى الدَّارِ}: وما هي عقبى الدّار؟ هي: جناتُ عدن يدخلونها؛ كما تشير الآية (٢٣) التالية هذه هي عقبى الدّار، وكلمة عقبى: وردت في خمس آيات في سورة الرّعد، ولم ترد هذه الكلمة في القرآن إلّا في هذه السّورة، أمّا كلمة العاقبة؛ فقد وردت (٣١) مرة في بقية السّور.