أسباب النزول: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: دخل أبو بكر بيت المِدْراس فوجد يهوداً قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له منخاص، فقال له أبو بكر: اتق الله، وأسلم فوالله إنك لتعلم أن محمداً رسول الله، فقال منخاص: والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا الفقير، ولو كان غنياً ما استقرض منا فغضب أبو بكر فضرب وجه منخاص، وقال: والله لولا العهد الذي بيننا لضربت عنقك، فذهب منخاص إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد! انظر ما صنع صاحبك بي، وأخبره بما قال منخاص فجحد؛ أي: أنكر ما قاله لأبي بكر رضي الله عنه؛ فنزلت هذه الآية.
وقيل عن ابن عباس -رضي الله عنهما- كذلك: أن اليهود أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد نزول الآية:{مَنْ ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}، فقالوا: يا محمد! أَفتقر ربك يسأل عباده القرض، فأنزل الله هذه الآية:{لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}.
{لَّقَدْ}: اللام: للتوكيد، قد: للتحقيق والتوكيد.
{سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ}: إن: للتوكيد؛ أي: أكد اليهود نسبة الفقر إلى الله على سبيل المبالغة.
ونحن أغنياء: وصفوا أنفسهم بالأغنياء، وأن الغنى صفة ثابتة لهم، ونسوا أن الله هو الذي جعلهم أغنياء، وأنه هو المنعم عليهم.
{سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا}: الله سبحانه لا يكتب، وإنما يأمر الملائكة الموكلين بالإنسان أن يكتبوا من الكفر والافتراء على الله والاستخفاف بالرسول والقرآن، وكتابة كل ما يقال.
وأسند الكتابة إليه سبحانه؛ لبشاعة هذا الافتراء على الله بأنه فقير، وهم أغنياء، وفي الآية تهديد ووعيد.
{وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ}: أي: وسنكتب قتلهم الأنبياء بغير حق. ارجع إلى سورة البقرة، آية (٦١)؛ لبيان الآيات المشابهة مثل: قتلهم النبيين بغير حق، أو قتلهم النبيين بغير الحق.
{وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}: أي: سنعاقبهم على قولهم: إن الله فقير، ونحن أغنياء، وعلى قتلهم الأنبياء بغير حق، ونقول ذوقوا: أصل الذوق باللسان، ثم استعمل في عذاب الحريق، وعذاب الحريق: المحرق المؤلم، عذاب بالنار الملتهبة.