سورة الحديد [٥٧: ٢٠]
{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِى الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}:
{اعْلَمُوا}: للوعظ والإرشاد، المخاطب كلّ إنسان.
{أَنَّمَا}: كافة مكفوفة تفيد الحصر أو القصر.
{الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}: الدّنيا: صفة، والدّنيا مشتقة من الدّنو والقرب؛ أي: القريبة أو الحياة السّفلى، وقد تسمى العاجلة.
{لَعِبٌ}: اللعب: هو شغل لا يُلهي عن واجب فإذا صرف الإنسان عن واجب؛ أي: انشغل باللعب عن الصّلاة يسمى اللعب لهواً.
{وَلَهْوٌ}: هو شغل يُلهي عن واجب وهو أسوأ من اللعب، وهو أعم من اللعب. وقدم اللعب على اللهو في هذه الآية؛ ارجع إلى سورة العنكبوت آية (٦٤) للمقارنة حيث قدم اللهو على اللعب.
واللعب بالنسبة للأطفال أمر طبيعي وعادي, وأمّا بالنّسبة للكبار فهو مذموم إن شغل صاحبه عن فرض أو واجب، واللعب إذا كان يتمثل بالرّياضة والسّباحة أو غايته بناء الجسم أو نقص الوزن ومكافحة السّمنة فهو أمر جيد، شرط أن لا يشغل العبد عن صلاته أو واجبه.
{وَزِينَةٌ}: باللباس والجواهر والحليّ والذّهب والفضة والمتاع وغيره.
{وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ}: بالألقاب والأنساب, بالقوة والصّورة، واللباس والزّينة، والمساكن والقصور والمراكب كالسّيارات والخيول.. والجاه والسّلطان.. أطلق التّفاخر ولم يحدد؛ لتشمل كلّ أمر.
{وَتَكَاثُرٌ فِى الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ}: وانتبه إلى قوله: (في الأموال والأولاد)، ولم يقل بالأموال وبالأولاد, في: ظرفية، استعمل في لكي لا يحدد المبلغ وإنما تركه مفتوحاً الآلاف أو الملايين أو أكثر، ولو استعمل الباء لحدّد كقوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [البقرة: ٢٧٤] فهو حدّد, والتّكاثر في الأموال والأولاد قد يكون للتفاخر بينكم, وقدّم الأموال على الأولاد؛ لأنّ الأموال أعمّ فكلّ فرد عنده المال وأمّا الأولاد فهناك الكثير ممن ليس له ولد.
{كَمَثَلِ غَيْثٍ}: الكاف للتشبيه, غيث: ولم يقل مطر؛ لأنّ الغيث فيه معنى النّفع والرّحمة، والمطر فيه معنى الضّرر والفيضانات وغيره (من خصائص لغة القرآن).
{أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ}: الكفار: الزُّرّاع أو الفلاحين، سموا كفاراً من الكفر: وهو السّتر لغةً؛ لسترهم البذر في التّراب بعد حرث الأرض وإلقاء البذر فيها؛ أي: أعجب الزُّراع بعد نموّه واستبشروا وفرحوا به.
{ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا}: ثمّ للترتيب والتّراخي؛ أي: آن حصاده، بلغ النّبات أشُدَّه.
{ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا}: ثمّ يتكسّر ويفتّت؛ ليخرج منه الحب ويبقى القش التّبن؛ لتدوسه الحيوانات وتأكل منه، وهكذا حال الدّنيا وسرعة زوالها بعد خضارتها ونضارتها التي تمثل مرحلة الشّباب تأتي مرحلة الكهولة ثمّ الشيخوخة والموت. وإذا قارنا قوله تعالى: {ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا} مع قوله تعالى في الآية (٢١) من سورة الزمر: {ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا}: نجد في الفعل يكون حطاماً يعد إلى النبات، وأما الفعل في يجعله حطاماً يعود إلى الله سبحانه.
{وَفِى الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ}: للذين كفروا وكذبوا بآيات الله، ولم يقل من الله؛ لأنه لا يجوز أن ينسب السوء إلى الله تعالى؛ لأنه بما قدت أو كسبت أيديهم.
{وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ}: مغفرة: إسقاط العقاب، وإيجاب الثواب، والرضوان: كثير الرضا؛ الرضا من الله تعالى للذين آمنوا بالله ورسله.
في هذه الآية قدّم العذاب على المغفرة والمغفرة على رضوان الله, المغفرة: يُحتاج إليها لدخول الجنة, والرّضوان: يكون بعد الدّخول إلى الجنة ولا يكون إلا من الله تعالى وحده.
{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}: ارجع إلى سورة آل عمران الآية (١٨٥) وسورة فاطر آية (٥).