سورة العنكبوت [٢٩: ٤٥]
{اتْلُ مَا أُوحِىَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}:
{اتْلُ}: اتلُ من: التّلاوة وهي القراءة من كتاب الله الكلمة بعد الأخرى، والفرق بين التّلاوة والقراءة: التّلاوة تكون من الكتب المنزلة، وهي أخص من القراءة فكلّ تلاوة قراءة وليس كلّ قراءة تلاوة، والتّلاوة لها أجر كلّ حرف بعشر حسنات، والقراءة العادية ليس لها أجر، والخطاب موجَّه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإلى أمته -صلى الله عليه وسلم-.
{مَا أُوحِىَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ}: ما: اسم موصول بمعنى الّذي، أوحي إليك: أوحي إليك عن طريق جبريل عليه السلام، والوحي في اللغة: الإعلام بالخفاء، وفي الشّرع: ما يُلقي الله سبحانه من آيات وتعاليم ووعد ووعيد، ارجع إلى سورة النّساء آية (١٦٣): لمزيد من البيان في معنى الوحي.
{مِنَ الْكِتَابِ}: من ابتدائية استغراقية، الكتاب: القرآن وسمي الكتاب؛ لأنّه مكتوب في السّطور. و (ما) أعم وأشمل من (الّذي) فالوحي قد يشمل القرآن وغيره مثل الأحاديث القدسية وغيرها. وأل التعريف تدل على الكمال.
{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ}: أي أتمم وأكمل الصّلاة بشروطها وأركانها وواجباتها، وسننها وخشوعها ولأوقاتها.
{إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ}: إنّ للتوكيد، الصّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر: هذا مقصد من مقاصد إقامة الصّلاة وهدف وثمرة من ثمراتها؛ أي: أنّ صلاة العبد تذكِّره وتنهاه عن فعل الفحشاء. والفحشاء: هي كلّ ما اشتد قبحه من الأفعال والأقوال، أو كلّ معصية لها حد في الدّنيا، والبدعة والزّنى والمعاصي، والمنكر: كلّ ما أنكره الشّرع وأنكره الطّبع السّليم مثل الشّرك، والبدعة، ويستحق فاعله النّار فإذا لم تنهه عن ذلك فصلاته فيدل ذلك على أنها لم تؤثر في سلوكه، فيجب التوبة إلى الله ومراقبة الله والخوف منه.
{وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}: الذّكر أي الصّلاة أو الذّكر العادي من تسبيح وحمد وتهليل وثناء، وذكر الله له عدة معانٍ:
أوّلها: ذكر الله لعبده أكبر من ذكر العبد لربه كقوله: اذكروني أذكركم، فذكر الله لعبده في الملأ الأعلى (الملائكة) وذكر الله لعبده بالثّواب والرّحمة والأجر أكبر وأعظم من ذكر العبد لربه.
ثانياً: ذكر الله تعالى في الأوقات خارج الصّلاة أكبر من ذكر الله في الصّلاة؛ لأنّك في الصّلاة مستعد ومهيَّأ، ولكن حين تذكر الله تعالى في أوقات الشّغل والحركة وأوقات التّعب أكبر، أو أكثر ثواباً ودرجة عند الله تعالى.
ثالثاً: ولذكر الله تعالى أكبر من كلّ شيء آخر من سائر الأعمال الأخرى؛ أي: هو أفضل الطّاعات.
رابعاً: ولذكر الله تعالى أكبر عند الهمِّ بفعل الفاحشة أو المنكر ثمّ الامتناع عن القيام بها؛ لأنّه ذكر ربه و {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّى أَحْسَنَ مَثْوَاىَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف: ٢٣]، وقد تعني كلّ هذه المعاني معاً.
{وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}: ولم يقل يعلم ما تعملون أو تفعلون؛ لأن فعل الفحشاء والمنكر وارتكاب المحرمات يحتاج إلى خبرة وجرأة وحيلة، فهي أفعال نادرة ليست عادية، وشبهها بالصنعة الّتي تحتاج إلى من يتقنها.