للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة الأنفال [٨: ٢]

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}:

{إِنَّمَا}: كافة ومكفوفة؛ تفيد التّوكيد.

{الْمُؤْمِنُونَ}: ولم يقل: الّذين آمنوا، المؤمنون: الّذين أصبحت صفة الإيمان عندهم ثابتة؛ أي: استقاموا على الإيمان، وأمّا الّذين آمنوا: فهم السّائرون على درب الإيمان.

{الَّذِينَ}: اسم موصول.

{إِذَا}: ظرف زماني يدل على الاستقبال، فيه معنى: الشّرط.

{ذُكِرَ اللَّهُ}: ذكرت عظمته، وصفاته، وأسمائه الحسنى، وقدرته، وجبروته، ووعده، ووعيده.

{وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}: الوجل: مزيج من الشعور بالخوف، والمهابة من الله -سبحانه وتعالى- ، والقلق، أو عدم الشعور بالطمأنينة؛ قد يرافقه البكاء، مع تغيرات في نبضات القلب، وقشعريرة في الجلد؛ بسبب التقصير في حق الله تعالى، وما قدَّموا لأنفسهم.

{وَإِذَا}: ظرفية زمانية؛ للاستقبال، متضمِّنة معنى: الشّرط.

{تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ}: أي: تليت عليهم آيات القرآن؛ أي: قرأت عليهم، والتّلاوة لا تكون إلا لكلمتين، أو أكثر، أمّا القراءة: فقد تكون لكلمة واحدة، والتّلاوة: أصلها إتْباع الشّيء للشيء، وتلاه يعني: تبعه؛ أيْ: تلاوة الآية بعد الآية، وكل تلاوة قراءة، وإذا تُليت: ولم يقل: تتلى، تُليت: فعل ماضٍ، تُليت عليهم ولو مرة واحدة؛ زادتهم إيماناً، أمّا تتلى: فعل مضارع؛ يدل على التّجدُّد، والتّكرار؛ أيْ: باستمرار.

{زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}: تصديقاً ويقيناً زادتهم إيماناً على إيمانهم؛ أيْ: قوي إيمانهم؛ فهم في إقبال على الله -سبحانه وتعالى- .

{وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}: وعلى: تقديم الجار والمجرور؛ يفيد الحصر؛ أيْ: لا يتوكلون إلا على ربهم وحدَه، يتوكلون: تعني: يقدِّمون الأسباب أولاً، ثم يطلبون منه العون؛ لتحقيق ما يرجون، فلا يطلبون إلا منه، ولا يرجون إلا إياه. ارجع إلى سورة الأعراف، آية (٨٩)؛ لمزيد من البيان.

لا بُدَّ من مقارنة ثلاث آيات متشابهة، هي:

الآية (٣) من سورة الأنفال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}.

والآية (٢٨) من سورة الرعد: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.

والآية (٢٣) من سورة الزّمر: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِىَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}.

ففي آية الأنفال: ذِكرُ الله أدَّى إلى وجل القلوب، وفي آية الرّعد: ذكر الله أدَّى إلى اطمئنان القلوب، فكيف نفسر ذلك؟

أولاً: لا تعارض بين الآيتين؛ لأنّ الإنسان المسرف على نفسه، أو الظّالم لنفسه، والّذي يرتكب السّيئات يصبح يرجف ويخاف ربه حين يُذكر الله ووعيده؛ لأنّه خالف منهج الله فيصاب بالوجل مخافة منه، ومهابة الله وعقابه، أمّا الإنسان الّذي هو سابق بالخيرات، ولا يرتكب السّيئات؛ فحين يُذكر الله، أو آياته يصاب بالاطمئنان؛ فالمؤمن يمر بمراحل متعددة حسب إيمانه، قد يصاب قلبه بالوجل تارة؛ لشعوره بالتقصير، والخوف، والمهابة من الله، أو تارة أخرى بالاطمئنان؛ لعلمه بأن الله أرحم الراحمين، ويغفر الذنوب جميعاً، أو تارة أخرى يشعر بالوجل، والاطمئنان معاً.

كما في آية الزّمر: فقد جمعت الوجل والاطمئنان معاً، الوجل أولاً، ويتمثل في قوله: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ}، ثم الاطمئنان يتمثل في قوله تعالى: {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}.