سورة الزمر [٣٩: ١٠]
{قُلْ يَاعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِى هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}:
بعد نفي المساواة بين الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون، يعظ الله رسولَه بأن يذكر الّذين آمنوا بالتّقوى والهجرة والصّبر.
{قُلْ}: لهم يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا، أو قل لهم: يناديكم ربكم بهذا النّداء.
{يَاعِبَادِ}: يا أداة نداء للبعد، عبادِ: أي: الّذين آمنوا واختاروا طريق الإيمان، وهناك فرق ين عباد وعبادي وعبيد؛ ارجع إلى سورة البقرة آية (١٨٦) لمعرفة الاختلاف بينها، والآية (١٧) من نفس السورة.
{اتَّقُوا رَبَّكُمْ}: بطاعة وامتثال أوامر ربكم وتجنب نواهيه اتقوا غضب وسخط ربكم واتقوا القهار الجبار واتقوا ناره واتقوا ربكم: استقيموا على طاعة وامتثال أوامر وتجنب نواهيه.
{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا}: اللام لام الاختصاص، الّذين أحسنوا: الّذين تجاوزوا درجة التّقوى وساروا في طريق الإحسان وأحسنوا العمل بالطّاعة والعبادة إحسان الكم وإحسان الكيف وإحسانهم لم يعد مقتصراً عليهم، بل تعداهم إلى غيرهم والّذين عبدوا الله كأنّهم يرونه، وتعريف الإحسان ارجع إلى الآية (١١٢) من سورة البقرة للبيان.
{فِى هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ}: في ظرفية، هذه: الهاء للتنبيه، وذا اسم إشارة يشير إلى دار الدّنيا.
حسنة: جاءت بصيغة التّنكير للتعظيم وللدلالة على الكمال ولتشمل أيَّ حسنة، ومنها الصّحة والعافية والغنى والأمن والأهل والنّصر والعزة والعلم وغيرها, وحسنة قد تعني: الجنة أو الدار الأخرة, وقد تعني: في الدنيا والأخرة معاً.
ولمعرفة معنى الحسنة ارجع إلى سورة البقرة آية (٢٠١).
{وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ}: وما علاقة أرض الله واسعة بالتّقوى، تعني: إذا لم تتمكَّنوا من إقامة شعائر الدّين والتّقوى في بلدكم فهاجروا إلى أرض أخرى فالأرض جميعها هي أرض الله، كقوله تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النّساء: ٩٧].
وقيل: أرض الله الواسعة: قد تعني أرض الجنة.
{إِنَّمَا}: كافة مكفوفة تفيد التّوكيد.
{يُوَفَّى الصَّابِرُونَ}: يوفى: أي يعطوا أجرهم بغير حساب، الصّابرون لها معانٍ عدة منها: الصابرون الصبر الجميل الذي لا شكوى فيه إلا إلى الخالق، والصّابرون على مفارقة أوطانهم والهجرة في سبيل الله، أو الصّابرون في بلادهم على أذى الكفار والمشركين وعدم تمكُّنهم من الهجرة؛ لأنه سبق هذا ذكر وأرض الله واسعة التي تدل على الهجرة، والصّابرون على طاعة الله وتجنُّب معاصيه مثل الصّلاة والصّيام والدّعوة إلى الله، والصّابرون على البلاء ومنها فتنة الدّين وإعلاء كلمة الله. والصابرون: جملة اسمية تدل على الثبات؛ أي: صبرهم دائم ومستمر، وتختلف عن الذين صبروا التي تدل على التجدد والتكرار.
فهؤلاء وغيرهم يوفَّون أجرهم بغير حساب فلا ينصب لهم ميزان ولا يُنشر لهم ديوان، فلم تعد الحسنة بعشر أمثالها ولا بـ (٧٠) ضعفاً أو (٧٠٠) ضعف، بل أكثر من ذلك بكثير ولا يعلم مقدار أجرهم إلا الله الّذي أعطاهم إياه، وقد يكونوا من هؤلاء الذين يدخلون الجنة بغير حساب.
سورة الزّمر [الآيات ١١ - ٢١]