سورة هود [١١: ١٦]
{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}:
{أُولَئِكَ}: اسم إشارة للبعد
{الَّذِينَ}: اسم موصول؛ يعني: الذين يريدون الحياة الدّنيا وزينتها.
{لَيْسَ لَهُمْ فِى الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ}: إلا: أداة حصر، ليس لهم في الآخرة إلا حصراً النّار.
{وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا}: أعمالهم حبطت بسبب كفرهم، وشركهم. ارجع إلى سورة البقرة، آية (٢١٧)؛ للبيان.
وباطل ما كانوا يصنعون: أيْ: غير حقٍّ ما صنعوا فيها؛ أيْ: لم يطبقوا ويلتزموا بالقرآن والسنة.
وردت في هذه الآية أربع كلمات كلمة حبط، وما صنعوا فيها، كلمة (الصّنع)، وباطلٌ (كلمة باطل) ما كانوا يعملون، كلمة (العمل).
ما هي الفروق بين هذه الكلمات، وبالتّالي معانيها.
ما هو الفرق بين الصّنع، والعمل:
العمل: يشمل القول، والفعل (الأقوال، والأفعال)، والعمل قد يكون جيداً، أو رديئاً، أو عادياً، والعمل: قد يتم بإجادة، أو عدم إجادة؛ فعندما يتم بإجادة: نطلق عليه الصّنع، فالعمل: أعم من الصّنع.
الصّنع: هو إجادة العمل؛ أيْ: يتم بجهد، وجودة، وهذا يسمَّى الصّنع، والصّنع يكون في الدّنيا؛ أيْ: خاص بالدّنيا.
أمّا الفرق بين الحبوط، والبطلان:
فالحبوط: (حبطت أعمالهم): حبط، الحبط: أصله مشتق إصابة الماشية بمرض الحبط، أو الحبن؛ حين تنتفخ الماشية بالسّوائل، أو الماء؛ بسبب مرض الكبد، ويظنها الجاهل بها سمينة، ولحمها كثير، ولكنه حين يذبحها ليأكل منها يجدها مليئة بالمرض؛ فلا يُستفاد منها بشيء.
الحبط: خاص بالأعمال فقط، ولم ترد كلمة حبط إلا مقرونة بالعمل، وسبب حبوط أعمالهم، وذهاب ثوابها: هي كفرهم، وشركهم، ومعاصيهم، أو ذنوبهم، وعدم توبتهم، والحبوط: يكون في الآخرة، وهو خاص بالآخرة، بينما كان الصّنع خاصاً بالدّنيا.
البطلان (باطل): يكون في العمل، وغير العمل؛ مثل: الاعتقاد، والقضاء. والباطل: ضد الحق، وهو ما لم يشرع بالكلية، والبطلان عام، والعمل كذلك عام.
وإذا عدنا إلى الآية: {وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}: نجده قَرَنَ أمراً خاصاً: هو حبط، مع أمر خاص: هو الصّنع (ما صنعوا فيها)، وقرن باطلاً: وهو أمر عام، مع أمر عام: هو العمل (ما كانوا يعملون).
{وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا}: فيها حبط في الآخرة ما صنعوا في الدّنيا (فيها: تعود على الآخرة، والدنيا معاً)؛ أيْ: حبط في الآخرة ما صنعوه في الدّنيا؛ فهي تعود على الصّنع. الصّنع: لا يكون إلا في الدّنيا، والحبوط: يكون في الآخرة.
{مَا صَنَعُوا}: ما: مصدرية؛ حبط صنعهم، أو ما: اسم موصول؛ حبط: الّذي صنعوا، ولم يقل الحقُّ: ما صنعوه، وإنما قال: ما صنعوا، ما صنعوا: عامة تشمل كلّ ما صنعوه، ولو قال: ما صنعوه؛ تعني: جزءاً، أو قسماً مما صنعوا.
حبط: (فعل ماض): ما صنعوا فيها: صنعوا فعل ماض، إذن جاء بفعل ماض+ فعل ماض.
{وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}: وباطل: اسم فاعل؛ يدلّ على الثّبوت.
{مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}: فعل مضارع يدل على التّجدُّد، والتّكرار، والاستمرار، إذن ثبوت مع تجدُّد، وتكرار.