سورة النمل [٢٧: ٦٠]
{أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءِلَاهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ}:
بعد أن سأل سبحانه: أعبادته خير أم عبادة الأصنام. ثمّ يعدِّد سبحانه بعض الآيات الدّالة على عظمة خلقه ووحدانيته والّتي تدعو إلى الإيمان به.
{أَمَّنْ}: مركبة من أم + من، وأدغمت الميمان، أم: الهمزة للاستفهام والتّقرير أم المنقطعة.
{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}: ارجع إلى سورة فصلت الآية (٩-١٢) للبيان، وسورة الأنبياء آية (٣٠)، وسورة الأعراف آية (٥٤)، والبقرة آية (٢٢، ٢٩) للبيان المفصل.
فأعظم المخلوقات العرش، ثمّ يليه خلق السّموات والأرض، ثمّ خلق الإنسان. ارجع إلى سورة هود آية (٧) للبيان.
{وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً}: تشير هذه الآية إلى دورة الماء حول الأرض ارجع إلى سورة المؤمنون آية (١٨).
{فَأَنبَتْنَا}: الفاء تدل على المباشرة والتّعقيب، أنبتنا بصيغة الجمع للتعظيم، ورغم أنّ البعض يشارك في الحراثة والسّقي والزّرع وغيرها، ولكن الإنبات الحقيقي هو من فعله فلا تتوهموا أنّكم من تقومون بالإنبات. ارجع إلى سورة الحج آية (٥) وآية (٦٣) وسورة فصلت آية (٣٩) والأنعام آية (٩٩).
أنزل بصيغة الغائب أنبتنا بصيغة المتكلم هذا الالتفات من الغائب إلى الحاضر يفيد التّوكيد ولفت الانتباه.
{بِهِ}: تعود على الماء {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: ٣٠].
{حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ}: حدائق جمع حديقة، وسُمِّيت كذلك لأنّه يُحْدَق عليها، أيْ: محوطة بسور وذكر الحدائق ذات البهجة، ولم يذكر ما هو الضّروري أولاً مثل الزّرع والقمح والحبوب، وانتقل إلى ذكر الحدائق والثّمار والفواكه وهذه من الكماليات ومن يتكفل بالكماليات فلا شك أنّه يتكفل بالضّروريات أولاً، فلا داعي لذكرها.
{مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا}: ما النّافية، كان تشمل كلّ الأزمنة أن تعليلية، تنبتوا شجرها: ولكن بفضل الله ورحمته هو ينبتها، وهذا تأكيد لقوله: فأنبتنا.
{أَءِلَاهٌ مَعَ اللَّهِ}: استفهام إنكاري يقصد به التّوبيخ والتّهكم أيْ: أإله مع الله سبحانه ساعده أو شاركه على صنع تلك الحدائق ذات البهجة وخلق السّموات والأرض.
{بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ}: بل للإضراب الانتقالي، قوم يعدلون: قوم يميلون عمداً وينحرفون عن الحق إلى الباطل؛ لأنهم يعلمون أن الله الذي خلق السموات والأرض كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف: ٩]، فرغم علمهم بهذا يجعلون لله عديلاً؛ أي: يعدلون عن ربهم أيْ: يشركون به ويعبدون غيره.