سورة الإسراء [١٧: ١٢]
{وَجَعَلْنَا الَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ الَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَىْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا}:
{وَجَعَلْنَا الَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ}: الجعل يتم بعد الخلق.
{الَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ}: علامتين دالتين على كمال قدرة الله سبحانه، وعظمته على الخلق، ووحدانيته.
{آيَتَيْنِ}: مثنى آية: آية كونية تدل على كروية الأرض، وأنّها تدور حول نفسها، وحول الشّمس؛ مما يؤدي إلى تعاقب الليل، والنّهار؛ الأمر الهام لاستقامة واستمرار الحياة على الأرض. ارجع إلى سورة يونس، آية (٦٧)؛ للبيان.
{فَمَحَوْنَا آيَةَ الَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً}: في بداية خلق الأرض كان الليل يضاء بستائر من نور تنزل من السّماء بشكل رأسي، ثم تنحني قليلاً حين وصولها إلى الأرض، وتكون على أشدها في القطبين الشمالي، والجنوبي، وتضعف كلما اتجهنا إلى خط الاستواء، وكانت تسمى: ظاهرة الفجر الكاذب، وكان النهار يضاء بالشمس؛ فكان النور، أو الضوء يعم الليل، والنّهار، ولكن الله سبحانه منَّ على البشرية بأنه خلق نُطُق الحماية الّتي لم تكن موجودة في بداية الخلق، وتكونت على مراحل؛ فقامت هذه النُّطُق بحجب هذه الأشعة، أو الستائر الّتي هي آية الليل، وبقي النهار مبصراً.
فالغلاف الجوي لم يكن موجوداً عند نشأة الأرض، وإنما تكون على مر العصور، وكان الليل هو السائد على الأرض في بداية الخلق رغم وجود الشّمس، وشروقها، ثم تكون الغلاف الجوي الّذي يضيء؛ لكونه يحتوي على غازات قابلة للإضاءة بنور الشّمس، واستغرق ذلك ملايين السنين؛ فبدأ الليل ينجلي تدريجياً، وضوء النهار يزداد قوة؛ فزالت الظلمة المحيطة بالكرة الأرضية، فمع بداية الفجر تدخل أشعة الشّمس الطبقات العليا للغلاف الجوي، الّتي تتميز بكثافة ضعيفة، ثم تدخل أشعة الشّمس الطّبقات السفلى ذات الكثافة العليا؛ فإذا بالشّمس تشرق، ويصبح النهار مبصراً، وتنمحي آية الليل عن نصف الكرة الأرضية المقابلة للشّمس. ارجع إلى سورة يونس آية (٦٧) لمزيد من البيان.
{لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَّبِّكُمْ}: أي: لليل مهمة: وهي لتسكنوا فيه، وللنهار مهمة: هي لتبتغوا فيه فضلاً من ربكم؛ تسعون فيه لطلب رزقكم، وتبحثون عن أسباب عيشكم.
{وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ}: الواو: عاطفة؛ أي: جعلنا الليل والنهار آيتين؛ لتبتغوا فضلاً من ربكم أولاً، وثانياً: لتعلموا عدد السنين والحساب؛ فالشّمس تحدد لنا الأيام؛ فالأرض تستغرق في دورتها حول الشمس (٣٦٥ يوماً وخمس ساعات و٤٨ دقيقة و٤٦ ثانية)؛ أي: ما يعادل (٣٦٥١٢٥ يوماً)، وتقرر جمع أرباع اليوم وإضافتها إلى السنة الرابعة لتصبح (٣٦٦ يوماً)، وتسمى السنة: الكبيسة, والسنة القمرية تقدر بـ (١٢ دورة للقمر حول الأرض)، وتقدر كل دورة بـ (٢٩ يوماً و١٢ ساعة و٤٤ دقيقة و٣ ثوان)؛ فالسنة القمرية تعادل (٣٥٤ يوماً و٨ ساعات و٤٨ دقيقة و٣٤ ثانية), بحوالي (١١ يوماً) الفرق بين السنة الشمسية والقمرية, وكل (٣٣ سنة) يصبح هناك فرق سنة واحدة بين النظام الشمسي والنظام القمري. ارجع إلى سورة يونس، آية (٥)؛ لمزيد من البيان.
{وَكُلَّ شَىْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا}: وكل شيء تحتاجون إليه في أمور دنياكم، وحياتكم، وأمور الدين؛ أي: دينكم، وأمور آخرتكم بيَّنَّاه بياناً لا التباس فيه.
نظير ذلك قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِى الْكِتَابِ مِنْ شَىْءٍ} [الأنعام: ٣٨]، {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَىْءٍ} [النحل: ٨٩].