سورة الأنعام [٦: ١٥١]
{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْـئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}:
{قُلْ}: لهم يا محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ لهؤلاء المشركين: حسبكم هذا الخرص.
{تَعَالَوْا}: أقبلوا عليَّ، أو ائتوا إليَّ، وتعالوا فيها معنى ترفعوا عن الكذب، والظن.
{أَتْلُ}: اقرأ عليكم ما حرم ربكم عليكم بدلاً من خَرصِكم، وتشبه الوصايا العشر التي وصَّاها الله تعالى لموسى -عليه السلام- .
١ - {أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْـئًا}: ألّا مركبة من: أن ولا: النافية، أن لا تشركوا: أو لا تشركوا؛ تعني: العرض والتحضيض، و {شَيْـئًا}: هو أقل الشيء، وشيئاً: نكرة؛ أيْ: مهما كان نوع الشرك.
٢ - {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}: الإحسان إلى الوالدين؛ إحسان مطلق، ولا يكفي عدم الإساءة إليهما؛ لأن الإساءة إلى الوالدين محرَّم. ارجع إلى سورة النساء آية (٣٦) لمزيد من البيان، وارجع إلى سورة البقرة آية (١١٢)، وعدم الإحسان يدخل فيه عدم الإساءة إليهما.
٣ - {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}: ولا تقتلوا أولادكم: ذكوراً، أو إناثاً؛ بالوأد أو غيره من وسائل القتل؛ كالإجهاض مثلاً.
{مِّنْ إِمْلَاقٍ}: من الفقر، وقيل: الفقر بعد الغنى، أو الإسراف، والتبذير الذي حدث زمن الغي، وأدَّى إلى الإملاق؛ أي: الفقر.
ولنقارن هذه الآية من سورة الأنعام: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} مع الآية (٣٨) من سورة الإسراء: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ}.
في آية سورة الأنعام؛ قال -سبحانه وتعالى- : {مِّنْ إِمْلَاقٍ}: تعني: الآباء، هم فقراء الآن في حالة فقر، فيقدمون على قتل أولادهم من الفقر الواقع بهم بسبب الأولاد الذكور أو الإناث.
ولذلك؛ سارع ربُّ العالمين، وطمأنهم، وقال: {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}: قدَّم رزق الآباء على رزق الأولاد.
في آية الإسراء قال: {خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ}: تعني: الآباء ليسوا فقراء الآن، ولكنهم يخشون الفقر في المستقبل، فيُقدِمون على قتل أولادهم؛ خشية الفقر؛ خوفاً من الفقر الذي قد يحدث، ولذلك سارع ربُّ العالمين، وطمأنهم، وقال: {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ}: فقدَّم رزق الأولاد على رزق الآباء.
{وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}:
{وَلَا}: الواو: عاطفة، لا: الناهية.
{تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ}: جمع فاحشة، وتطلق عادة على الزِّنى، أو اللواطة، والقذف، وعبادة الأصنام، وقال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا}: أيْ: لا تفعلوا؛ أي: المقدمات التي قد تؤدِّي إلى ارتكاب الفواحش، وقوله: {وَلَا تَقْرَبُوا}: أشدُّ وآكَدُ من قوله: ولا تفعلوا الفواحش.
وقيل في تعريف الفاحشة: هي كل ما عظُم جرمه، وإثمه من الأقوال، والأفعال.
{مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}: ما ارتكب في العلن، وعلى مرأى ومسمع الناس، أو ما بطن: ما ارتكب سرّاً، وفي الخفاء؛ حتى لا يراه الناس، أو يسمعوا به.
{تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ}: حصراً.
{بِالْحَقِّ}: بالقصاص، والردة، وزنى المحصن، إذا توافرت الشروط والشهود.
{ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}: ذلكم: بدلاً من ذلك؛ لأن (ذلكم): تستعمل للأمور المتعددة والمهمة التي يُراد التوكيد عليها، مثل: الإشراك بالله، والوالدين إحساناً، وقتل الأولاد، وقتل الأنفس؛ إلا بالحق، أو الفواحش، وذلكم بدلاً من ذلك التي تستعمل للأمر المفرد، والعادي، غير المهم.
{وَصَّاكُمْ بِهِ}: من الوصية، والوصية: أن تعهد إلى شخص بعمل خير، أو ترك شر، والوصية: تدل على محبة الموصي للموصى له.
وقال: {وَصَّاكُمْ بِهِ}: ولم يقل: وصَّاكم بها؛ لأن أوامر الله ونواهيه كأنها تمثل أمراً واحداً، فلا نأخذ بعضها، ونترك بعضها.
{لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}: لا يعقل أن تشركوا بالله، وتعقوا الوالدين، وتقربوا الفواحش، وتقتلوا أولادكم، أو تقتلوا النفس التي حرم الله بالحق؛ أيْ: هذه التكاليف التي يقرها العقل، ولا يعقل أن تقوموا بها.
{لَعَلَّكُمْ}: لعلَّ: للتعليل، لعلَّ هذه الوصايا تحملكم على الكف، وعدم ارتكاب تلك المحرمات, وإذا قارنا هذه الآية بالآيات التالية (١٥٢) (١٥٣) وهي قوله تعالى: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}، {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}: نجد يمكن القول لعلكم تعقلون جاءت في سياق أشد الأحكام (الكبائر) التي تحتاج إلى العقل ليكبحها ويمنعها؛ (ولعلكم تذكرون): في سياق الأحكام التي ينساها، وتحتاج إلى تذكرة دائمة للقيام بها, (ولعلكم تتقون): في سياق الاستقامة على التقوى.