سورة البقرة [٢: ٢٤٣]
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}:
{أَلَمْ}: الهمزة استفهام تعجب، وتشويق إلى ما سيذكر.
{تَرَ}: الرؤية هنا رؤية قلبية بمعنى: العلم؛ أي: ألم تسمع، أو يصل إلى علمك خبر هؤلاء الّذين خرجوا من ديارهم.
{الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ}: تركوا وهجروا ديارهم، وقيل: هم من بني إسرائيل.
{وَهُمْ أُلُوفٌ}: ألوف جمع كثرة، خرجوا وهم ألوف (أكثر من العشرة يقال له جمع كثرة، وأقل من العشرة يقال له جمع قلة) مثل: {بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ} [آل عمران: ١٢٤].
{حَذَرَ الْمَوْتِ}: أي: لتوقي وتجنب الموت.
والحذر: هو توقي الضرر، سواء كان مظنوناً، أو متيقَّناً، والحذر يدفع الضرر، والخوف لا يدفع الضرر.
{حَذَرَ الْمَوْتِ}: بيان للعلة، ولم يخبرنا ما هو سبب الموت؛ لكونه لا يهم في هذه القصة.
{فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا}: أي: فأماتهم الله سبحانه ميتة رجل واحد بكلمة كن فيكون.
إذن هم خرجوا حذراً من الموت، وها هو الموت حل بهم.
أو هم هربوا من قدر الله إلى قدر الله، فما فائدة خروجهم، لو لم يخرجوا لماتوا وهم في عقر ديارهم، وها هم خرجوا فماتوا بعيداً عن ديارهم، إذن ما هي العبرة؟
وقيل: السبب في خروجهم كان وباء الطاعون.
وقيل: هم قوم من بني إسرائيل دعاهم ملكهم إلى الجهاد، والدفاع عن بلادهم، فهربوا حذراً من الموت والقتل في سبيل الله.
{ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}: سبحانه، وكان قادراً على تركهم أمواتاً حتّى يوم يبعثون.
أحياهم ليعظهم، ويبيِّن لهم، ولغيرهم: أنّ أمر الموت والحياة بيده سبحانه، ومرهون بمشيئته تعالى، وليس بمرض، أو جهاد، أو قتال.
{إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ}: إن: للتوكيد، {لَذُو}: اللام للتوكيد.
ولو مات هؤلاء في ديارهم ولم يهربوا، ماتوا من طاعون أو بسبب الجهاد، وقتال العدو؛ لكان لهم أجر الشّهيد؛ أي: لماتوا شهداء، ووجبت لهم الجنة، وهذا فضل من الله تعالى، والموت إذا كان في سبيل الله، وإعلاء كلمته (كلمة الحق) فهو من أفضل النِّعم.
{عَلَى النَّاسِ}: ارجع إلى الآية (٢١) من نفس السورة لمزيد من البيان.
{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}: {وَلَكِنَّ}: حرف استدراك.
{أَكْثَرَ النَّاسِ}: أي: هناك القليل منهم يشكرون؛ كقوله: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ} [سبأ: ١٣].
أكثر النّاس لا يعلمون أنّ هذه الابتلاءات بالخير والشر كلها نِعَم، وليس نقم، ومن فضل الله أنه يبتلي عباده؛ ليزيدهم أجراً، وفضلاً، ومن أكبر هذه النعم الجهاد في سبيل الله، ولأنهم لا يعلمون أنها كلها خير، ولذلك لا يشكرون الله عليها، وبذلك تكون عاقبة ابتلائهم خُسراً.
فأكثر النّاس لا يشركون: إما العدد، عدد من يشكرون قليل.
أو كمية الشكر (مقدار الشكر) قليل؛ أي: عددهم كبير، وشكرهم قليل.