للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة إبراهيم [١٤: ٢١]

{وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاؤُا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَىْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ}:

المناسبة: بعد أن ذكر الله سبحانه الّذين كفروا برسلهم، وذكر أعمالهم الّتي كرماد اشتدت به الرّيح؛ أي: حبطت يذكر سبحانه ما سيحدث بينهم يوم القيامة من حوار، وما سيقول الشّيطان آنذاك لهم.

{وَبَرَزُوا}: البروز: هو الظّهور مشتقة من البراز: وهو الفضاء الواسع، وجاء بلفظ الماضي بدلاً من المستقبل؛ لأنّ الزّمن عند الله واحد، الماضي والحاضر والمستقبل؛ فهو خالق الزمان والمكان، وصيغة الماضي تعني: كأن الأمر وقع وانتهى.

والبروز يحدث بعد النّشر والبعث، ويكون على أرض المحشر في الفضاء الواسع.

{جَمِيعًا}: للتأكيد برزوا: كلّهم مجتمعين، ولم يتأخر عنهم أحد.

{فَقَالَ الضُّعَفَاؤُا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا}: فقال: الفاء: يدل على التّرتيب، والمباشرة.

{الضُّعَفَاؤُا}: جمع ضعيف تطلق على العوام الضعاف الرّأي والفكر، ووصفوا بذلك لأنّهم اتبعوا غيرهم، وقلدوا آباءهم بدون تفكير وتدبر، ويطلق عليهم الأتباع أيضاً، أو التابعين, وإذا نظرنا إلى كيف كتبت كلمة {الضُّعَفَاؤُا} في هذه الآية مع كتابتها في الآية (٢٦٦) في سورة البقرة نجد فيهما اختلافاً قد يعود إلى أن آية البقرة تعني: ضعفاء في الجسم والبنية, وأما في آية إبراهيم ضعفاء في الرأي والعقل؛ أي: ضعف معنوي, وفي آية البقرة ضعف مادي حسي. ارجع إلى سورة البقرة آية (٢٦٦) لمزيد من البيان.

{لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا}: للذين: اللام: لام الاختصاص؛ الّذين استكبروا: أي: رؤساء الكفروالشّرك، ويطلق عليهم المتبوعين.

{اسْتَكْبَرُوا}: الألف والسّين والتّاء؛ تعني: الطّلب؛ أي: هم ليسوا أهل للتكبر؛ أي: ليس عندهم مؤهلات الكبر، واستكبروا على هؤلاء الضّعاف، واستكبروا بغير حق، أو استكبروا عن طاعة الله ورسله، والاستجابة للإيمان، ودعوا غيرهم ليتبعوهم في ضلالهم وغيهم؛ فهم ضلوا وأضلوا غيرهم.

{إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا}: إنا: للتوكيد.

{كُنَّا}: في الحياة الدّنيا.

{لَكُمْ}: خاصة.

{تَبَعًا}: جمع تابع؛ أي: نتبعكم في ضلالكم وشرككم، أو في دعوتكم.

{فَهَلْ}: الفاء: للتوكيد؛ هل: استفهام يفيد التوبيخ.

{أَنْتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ}: أي: هل أنتم ستحملون عنا من عذاب الله من شيء. من هنا: ابتدائية للتعليل، أو بعضية؛ أي: بعض العذاب.

{قَالُوا}: أي: الّذين استكبروا للضعفاء؛ أي: أجابوهم معتذرين لهم.

{لَوْ}: للتمني، وشرطية؛ لو: امتناع لوجود.

{هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ}: أي: لو هدانا الله للإيمان لهديناكم، واللام: لام التّوكيد، ولكن لم يهدينا فهم يفترون على الله الكذب، وينسبون عدم هدايتهم لله، ويدَّعون أنّ الله هو سبب ضلالهم، وعدم هدايتهم، وحاشا لله أن يفعل ذلك، ونسوا أنّ الله خيرهم فاختاروا، أو استحبوا الكفر على الإيمان، واختاروا طريق الضّلالة.

{سَوَاءٌ عَلَيْنَا}: سواء: من المساواة، وتعني: استوى الشّيئان، وتسويا، وسوى أحدهما الآخر، والسّواء: العدل، ويقال للعدل: سواء؛ كقوله: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: ٦٤]؛ أي: كلمته عدل وإنصاف.

{أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا}: أي: يستوي الأمران: الجزع، أو الصّبر هنا لا يغنيان شيئاً في هذا الموقف. والجزع: هو ضعف النّفس على تحمل المكروه، وهو عكس الصّبر، والصّبر: القدرة على تحمل المكروه، أو الأمر الملقى إليه.

{أَجَزِعْنَا}: أجزعنا: الهمزة: للتسوية.

{أَمْ}: للإضراب الانتقالي؛ فهم أدركوا الجزع لا يفيد، والصّبر لا يفيد أيضاً مما يؤدي بهم إلى القنوط.

{مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ}: ما: النّافية.

{لَنَا}: اللام: لام الاختصاص؛ لنا: نحن خاصة.

{مِنْ}: استغراقية تستغرق كلّ محيص.

{مَحِيصٍ}: منجى، ملجأ، أو مهرب، والمحيص: اسم مكان؛ أي: ما لنا من مكان نهرب إليه، أو نلجأ إليه، وفلان حايص: أي: لا يجد مكاناً يرتاح فيه؛ فيحاول الهرب.