سورة فاطر [٣٥: ٩]
{وَاللَّهُ الَّذِى أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ}:
المناسبة: ثمّ يذكر الله سبحانه بعض الآيات الكونية الدّالة على نعمه على الخلق والدّالة على قدرته على البعث والنّشور.
{وَاللَّهُ الَّذِى أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا}: أرسل فعل ماضي فتثير سحاباً فعل مضارع، المجيء بالفعل المضارع بدلاً من أثارت سحاباً، تدل على حكاية الحال أيْ: كأن الأمر يحدث أمّام عينيك الآن وأنت تراه للدلالة على قدرته الرّبانية، ولأن إثارة السحاب يحدث في المستقبل؛ أي: بعد إرسال الرياح, وكذلك للدلالة على أنّ إرسال الرّياح فتثير سحاباً، أمر يتكرَّر ويتجدَّد باستمرار, وإذا قارنا هذه الآية مع الآية (٤٨) في سورة الروم, وهي قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِى يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا}: نجد أن يرسل: بصيغة المضارع, وليس بصيغة الماضي كما في الآية فاطر.
{فَسُقْنَاهُ}: الفاء تدل على التّعقيب والمباشرة.
سقناه: أيْ: سقنا السّحاب الّذي يحمل المطر إلى بلد ميت، ويعني: السحاب الركامي, وانظر كيف تحولت صيغة الغائب {وَاللَّهُ الَّذِى أَرْسَلَ الرِّيَاحَ} إلى صيغة المتكلم (سقناه) و (أحيينا) للدلالة على أهمية السوق والإحياء، وعبر بالفعلين الماضيين (سقناه وأحيينا) بعد المجيء بالفعل المضارع (تثير) للدلالة على تحقق الفعل؛ لأنه سبحانه خالق الزمان والمكان فاستوى عنده الماضي والحاضر والمستقبل.
{إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ}: إلى بلد مقارنة إلى بلدة؛ البلدة: جزء من البلد, والأرض أعم من البلدة، والبلدة وميِّت: بتشديد الياء؛ أيْ: لم يمت بعد، أيْ: لا نبات فيها ولا زرع. ارجع إلى الفرقان آية (٤٩) لمعرفة الفرق بين ميِّت بتشديد الياء وميْت بسكون الياء الذي يعني: مات وانتهى.
{فَأَحْيَيْنَا بِهِ}: بالماء.
{الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}: بالحب وبالنّبات والعشب والزّرع والثّمرات، ولم يقل من بعد موتها، حذف من: يدل على الزمن قد يطول أو يقصر بعد موتها قبل عودة إحيائها.
{كَذَلِكَ النُّشُورُ}: أيْ: كما أنّ الله سبحانه أنزل من السّماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها؛ كذلك يُحيي الموتى بعد موت طويل فيُنزل الله عز وجل ماءً من السّماء، فيختلط بتراب الأرض ويخترقها فيصل إلى عجب الذّنب المدفون في التراب، والحاوي على خلية، أو خلايا جذعية كاملة القدرات في حالة سبات (أو معطلة) تنتظر هذا الماء لتنمو من جديد بقدرة القادر المقتدر على أن يُعيد الخلق، وينبت الإنسان من جديد، كما ينبت البقل.
وكيف يتم ذلك؟ ارجع إلى سورة الروم آية (١٩)، ومع إضافة الماء تعود الرّوح إليه من جديد وتبدأ عملية نشز العظام وكسوها لحماً (كما بيَّن في الآية (٢٥٩) من سورة البقرة).
النّشور: عودة الحياة إلى الأموات ومن ثمّ ظهورهم على الأرض، الحشر: هو السّوق والجمع إلى أرض المحشر.