{سَخَّرْنَا}: من التّسخير: أي التّذليل، وسخّر: أخضع، سخّره: أخضعه وقهره ليفعل ما يريده بدون اختيار من المسخّر، وكما قال تعالى في سورة الأعراف آية (٥٤): {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ}، أي: مسيّرات خاضعات مقهورات بأمر الله وإرادته لا باختيارها، وهي الّتي اختارت أن تكون مسخّرة بعد أن عرض عليها الأمانة فاختارت أن تكون مسخّرة.
{سَخَّرْنَا الْجِبَالَ}: أي أخضعنا وقهرنا.
{مَعَهُ}: أي مع داود.
{يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِىِّ وَالْإِشْرَاقِ}: يسبحن لله تعالى، وكما قال تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَىْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}[الإسراء: ٤٤]، فالجبال والسّموات والأرض وكل شيء يسبح تسبيحاً لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، والمعجزة هنا ليست التّسبيح بذاته فقط وإنما أن تسبّح الجبال مع داود وتردّد معه؛ أي: تسبّح مع تسبيحه، يسبّحن ولم يقل وسخّرنا الجبال معه مسبّحات، ولكن يسبّحن: بصيغة المضارع للدلالة على حكاية الحال والتّكرار والتّجدد؛ أي: يسبّحن الآن وكأنّنا نسمع تسبيحها وهي تسبّح، وإذا أخبرنا هذا الخبر الله سبحانه فهو أصدق من أسماعنا وعيوننا فيما لو كنا نسمعه ونراه.
بالعشي: الباء للإلصاق والدّوام، والعشي: من الزّوال إلى الغروب (من العصر إلى المغرب) أو من الظّهر إلى المغرب، والإشراق: أي شروق الشّمس.
وقد أخذ بعض الأئمّة من هذه الآية دليلاً على مشروعية صلاة الضّحى أو صلاة الشّروق، وكونها جاءت بصيغة المعرفة "بالعشي والإشراق" فهذا يدل على الدّوام، ولم يقل مثلاً بكرة وعشياً الّتي تدل على وقت محدد.
وإنما تدل على التّسبيح الدائم ولكل مكان زمان للعشي وزمان للإشراق.