سورة البقرة [٢: ٩٥]
{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}:
{وَلَنْ}: الواو: استئنافية، لن: حرف نفي، يفيد نفي المستقبل القريب، والبعيد.
{يَتَمَنَّوْهُ}: من التمني، والأمنية، والتمني: هو طلب شيء محبوب، إلَّا أنه مستحيل الحدوث، أو غير ممكن، أو لا يمكن أن يقع، أما الرجاء فهو طلب شيء محبوب، ممكن الحدوث.
{أَبَدًا}: أي: في جميع الأزمنة الحاضرة، أو المستقبلية، إلى غير نهاية.
{بِمَا}: الباء: للإلصاق، باء السببية، أو المقابلة، بسبب أو مقابل ما عملته أيديهم، من قتل الأنبياء، وتحريفهم التّوراة، وتكذيبهم للرسل، وغيرها من المعاصي، ولماذا اختار الأيدي على سائر الأعضاء؛ لأنّ أعظم الذنوب، الّتي ارتكبوها؛ مثل: قتل الأنبياء، وتحريف التّوراة، وأخذ الربا، وقد نهوا عنه، كانت بفعل أيديهم، فاليد؛ هي الآلة الّتي قامت بذلك.
{وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}: عليم، صيغة مبالغة.
{عَلِيمٌ}: من هم، وعددهم، وما يعمله كل واحد منهم، من صغيرة أو كبيرة. ارجع إلى الآية (٥٤) من نفس السورة لمعرفة معنى الظلم.
ولا بدَّ من مقارنة هذه الآية، من سورة البقرة مع الآية (٦-٧) من سورة الجمعة.
في سورة البقرة، آية (٩٤-٩٥): {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}.
{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}.
في سورة الجمعة، آية (٦-٧): {قُلْ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}.
{وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}.
الاختلاف في {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ} في سورة البقرة {وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ}؛ في سورة الجمعة.
أولاً: لن: تفيد نفي المستقبل القريب، والبعيد، وأكد، وأقوى في النفي من لا، الّتي تفيد الإطلاق، والعموم، (عموم الأزمنة).
فاستعمل لن الأقوى في النفي، في سياق زعمهم، أنّ لهم الدار الآخرة؛ أي: الجنة (خالصة لهم عند الله)، فهذا الزعم الباطل أشد، وأقوى من زعمهم أنهم أولياء الله. الذي استعمل معه لا. فالنفي في آية البقرة أشد من النفي في آية الجمعة.
ثانياً: في آية البقرة يستعمل يتمنوه وتشير إلى قلة العدد، عدد الّذين يزعمون أنّ الجنة خالصة لهم يوم القيامة، بينما في آية الجمعة يتمنونه، وتشير إلى كثرة العدد الّذين يزعمون أنهم أولياء لله.
زيادة المبنى (الحروف) تدل على زيادة المعنى، أو العدد.
شرح آخر للآيتين:
في آية البقرة: السياق في زعمهم أنّ الجنة لهم خالصة من دون النّاس؛ إذا كان هذا الزعم صحيحاً؛ فتمنوا الموت، لتحققوا هذه الأمنية.
الجواب: لن يتمنوه أبداً، لن أقوى حروف نفي، ونفيها مؤكد.
فمن يتمنى الموت؟ لا أحد، ولذلك استعمل (لن)، وإذا وجد من يتمنى الموت، فعددهم قليل، ولذلك استعمل {يَتَمَنَّوْهُ}؛ الأقل حروفاً من {يَتَمَنَّوْنَهُ}.
أما في آية الجمعة: السياق في زعمهم أنهم أولياء لله من دون النّاس.
إذا كان هذا الزعم صحيحاً، فتمنوا الموت؛ لتحققوا هذه الأمنية.
الجواب: {وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا}.
لا: أقل نفياً من (لن)، وأقل توكيداً.
ومن يتمنى أن يكون ولياً لله؟ الكثير؛ ولذلك استعمل (لا)، وبما أنّ عددهم كثير، استعمل {يَتَمَنَّوْنَهُ}؛ الكثيرة الحروف.
زيادة الحروف؛ تدل على زيادة العدد؛ لأنّ زيادة المبنى؛ تدل على زيادة المعنى.