سورة الأحزاب [٣٣: ٥]
{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِى الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}:
{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ}: انسبوهم لآبائهم الّذين ولدوهم فلان بن فلان أو هو ابن فلان، لا تقولوا: زيد بن محمّد -صلى الله عليه وسلم- قولوا: زيد بن حارثة، لآبائهم: اللام لام التّعليل والتّوكيد والاختصاص.
{هُوَ}: ضمير للتوكيد.
{أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ}: على وزن أفعل التّفضيل نقول: هذا قِسْط وهذا أقسط مثل عدل وأعدل، أيْ: ما يرشدكم الله سبحانه إليه أقسط وأعدل ولماذا قال تعالى: أقسط وأعدل؟ أقسط من ماذا؟
ما اختاره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين نسب زيد إليه بقوله: زيد بن محمّد يُعدُّ قِسطاً وعدلاً بشرياً، ولكن الله سبحانه يبيِّن لنا الأقسط (الأفضل والأعدل) من ذلك بأن ندعوهم لآبائهم، ونقول: زيد بن حارثة.
والفرق بين القسط والعدل: القسط هو العدل البيِّن الظّاهر، ولذلك سُمِّي المكيال قسطاً؛ لأنّه بيِّن، والقسط يعني أيضاً تطبيق العدل وليس فقط الحكم بالعدل، ولا بُدَّ من تطبيق الحكم بالعدل ليدعى قسطاً.
{فَإِنْ لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ}: الفاء للتوكيد، إن شرطية تفيد الشّك أو الاحتمال، أيْ: في حالة احتمال لم يتبيَّن لكم من هم آباؤهم الّذين ولدوهم، ولم للنفي نفي الحال.
{فَإِخْوَانُكُمْ فِى الدِّينِ}: أيْ: هذا أخي كذا وكذا، هذا أخي زيد ولا تقولوا: هذا ابني زيد على شرط أنّهم أسلموا.
والأخوة في الدّين: هي الأخوة الحقيقية، وتعتبر أهم وأقوى من أخوَّة الدّم والنّسب.
{وَمَوَالِيكُمْ}: أنصاركم (الخدم) ادعوهم بالقول: يا ابن العم وإن كانوا عتقاء محرَّرين نادوهم: يا أخي أو يا مولاي.
{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ}: وليس للنفي أيْ: ليس عليكم جناح: أيْ: الإثم أو الذنب، والجناح: أعم من الإثم والذنب ويقتضي العقاب فيما أخطأتم به، في ظرفية، ما: اسم موصول بمعنى الّذي أخطأتم به قبل النّهي أو نزول هذه الآية أو أخطأ باللسان من دون قصد ظناً أنّه ابنه، وليس عليكم جناح ولم يقل: ولا جناح عليكم: لا جناح أشد وأقوى من قوله ليس عليكم جناح؛ لأنّ لا جناح عليكم جملة اسمية، وليس عليكم جناح جملة فعلية والجملة الاسمية أقوى وأثبت من الفعلية, ولذلك لا جناح عليكم: تأتي في سياق الأمور الهامة، أو الأوامر مثل: العبادات, والحقوق الزوجية, والعقيدة, وتستعمل ليس عليكم: في القضايا أو الأمور الأقل أهمية, والنادرة كما في هذه الآية.
{وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}: أيْ: بعد النّهي: لكن استدراك يفيد التّوكيد، ما تعمَّدت قلوبكم: أي: التّعمُّد والقصد في مخالفة أوامر الله بعد نزول الحكم عندها يكون عليكم جناح أيْ: إثم. ارجع إلى سورة النّساء آية (١٠١) لبيان معنى جناح.
{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}: كان تشمل كلّ الأزمنة الماضي والحاضر والمستقبل، غفوراً: صيغة مبالغة، غفوراً لمن تاب وأصلح ورجع عن خطئه، رحيماً: صيغة مبالغة، لم يعجل بالعقوبة لمن عصى وأخطأ لعله يتوب وبعد أن يتوب يقبل توبته ويغفر له. يغفر الذنوب جميعاً إلا الكفر والشّرك به.