سورة العنكبوت [٢٩: ١٧]
{إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}:
{إِنَّمَا}: كافة مكفوفة تفيد الحصر والتّوكيد.
{تَعْبُدُونَ}: بصيغة المضارع؛ لتدل على الاستمرار على عبادتهم للأوثان.
{مِنْ دُونِ اللَّهِ}: من غير الله.
{أَوْثَانًا}: جمع وثن، الوثن: كلّ ما يُعبد من غير الله، وليس له جسم أو صورة، فإن كان له جسم أو صورة إنسان أو حيوان فهو صنم.
الأوثان: كلمة عامة تشمل الأصنام، فكل وثن صنم وليس كلّ صنم وثناً.
وقيل: الصنم يصنع من خشب أو معدن كالذهب والفضة والنّحاس، أما الوثن من الحجارة، وما ذبح على النصب هي حجارة؛ أي: أوثان.
{وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا}: الإفك هو الكذب المتعمد، وتخلقون إفكاً: أي ذا إفك وباطل وتخلقون إفكاً: حين تسمون الأوثان آلهة أو تصفونها بأنها آلهة، وهي ليست بآلهة، وأنها شركاء وتشفع وتقرب من الله، فكل ذلك كذب مختلق ومتعمد.
{إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}: إن للتوكيد، الّذين تعبدون من دون الله: (من غير الله) من هذه الآلهة والأوثان، وبدل القول ما تعبدون وقال: (الّذين تعبدون)؛ أي: أعطى الأوثان صفة العاقل؛ لأنّهم يعبدونها كأنها تعقل.
{لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا}: لا النّافية لكل الأزمنة، يملكون لكم: اللام لام الاختصاص لكم خاصة، رزقاً: رزقاً نكرة؛ أي: لا يقدرون على رزقكم بأيّ نوع من أنواع الرّزق (الطّعام والشّراب والمال) لأنّهم لا يملكون القدرة على أيّ شيء، لا يملكون في السّابق ولا الحاضر ولا في المستقبل.
{فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ}: أي اطلبوا من الله وحده الرّزق فهو الرّزاق الكريم، والفاء للتوكيد، وعرّف الرّزق بأل التّعريف؛ أي: رزق الله تعالى. والرّزق لا يعني المال فقط وإنما يشمل العلم والصحة والأهل والولد والأخلاق وغيرها. انظر كيف نكَّر الرزق ثم عرَّفه، نكَّره ليشمل كل أنواع الرزق، وعرَّفه؛ أي: كله من عند الله وحده، وفي سورة الذاريات آية (٧٥) قال تعالى: {مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِنْ رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ}؛ أي: هو سبحانه غني عنكم وأنتم الفقراء إليه ليرزقكم.
{وَاعْبُدُوهُ}: وحده؛ لأنّه خلقكم فهو ربكم.
{وَاشْكُرُوا لَهُ}: فعل أمر، ولم يقل واشكروه، وإنما قال اشكروا له: اللام في (له) تفيد الاختصاص والإخلاص؛ أي: اشكروا نعمة الله لله؛ أي: لذاته اشكروا المنعم بغضّ النّظر عن كونه أنعم عليكم تلك النّعمة أم لا فهذا هو الأكمل، فشكر النّعمة لا بأس به ولكن شكر الله أفضل وأدوم، وما دام الله فالنّعمة تدوم وتصل إليكم. ارجع إلى سورة الأعراف آية (١٠): لمزيد من البيان في معنى الشكر.
{إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}: إليه تقديم الجار والمجرور يفيد الحصر؛ أي: إليه وحده لا إلى غيره تُرجعون: بضم التاء؛ أي: لا خيار لكم ولا إرادة، تُرجعون إليه بعد البعث للحساب والجزاء. ولو قال تَرجعون: بفتح التاء لكان ذلك يعني الرجوع بإرادتكم ومحبتكم. وهناك فرق بين تُرجعون وقوله تعالى: {تُقْلَبُونَ} كما سيأتي في الآية (٢١) من نفس السورة. ارجع إلى الآية (٢١) للبيان.