سورة الأعراف [٧: ١٠٣]
{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِم مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَإِيهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}:
{ثُمَّ}: للترتيب، والتراخي في الزمن.
{بَعَثْنَا}: ولم يقل: أرسلنا. البعث؛ يعني: أن يبعث الله تعالى رسولاً، أو نبياً؛ لإحياء منهج رباني سابق اندثر، زالت معالمه، بينما الإرسال؛ يعني: يرسل الله تعالى رسولاً بشيء جديد لم يعلمه الناس، برسالة جديدة، أو تغيير، أو تعديل حسب الزمان، والمكان، والبعث أشد من الإرسال؛ أيْ: يحتاج إلى عمل أقوى، وجهد أشد، ومشقة، والبعث فيه معنى الإثارة، والتهيج، وهو أعم من الإرسال. ارجع إلى سورة البقرة، آية (١١٩)؛ لمزيد من البيان.
{مِنْ بَعْدِهِم}: من: الابتدائية؛ تعني: بزمن قصير، أو مباشرة من بعدهم؛ تعني: الرسل؛ الذين ذكروا سابقاً، وهم: نوح، وهود، وصالح، وشعيب، ولوط عليهم السلام.
{مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَإِيهِ}: موسى بآياتنا: التسع؛ مثل: العصا، واليد، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والسنون، والطوفان، والطمس على أموالهم، وقدَّم الآيات على فرعون، ولم يقل: بعثنا موسى إلى فرعون وملئه بآياتنا؛ للاهتمام بها.
{إِلَى فِرْعَوْنَ}: فرعون: لقب لمن كان يحكم مصر قديماً، والفراعنة شكلوا أو كانوا (١٩) أسرة، آخرهم الأسرة التاسعة عشر، وموسى -عليه السلام- أدرك فرعون المسمى رمسيس الثاني، ويطلق عليه رمسيس الأكبر، وهو الذي ربى موسى، والذي أطلق عليه فرعون الاضطهاد الذي اضطهد بني إسرائيل وحكم مصر (٦٧ سنة)، وكان له أولاد منهم منفتاح الأول، وهو الابن الثالث عشر لرمسيس الثاني (الأكبر) شارك أباه في الحكم وتولى الحكم بعد وفاة أبيه، وحكم حوالي (١٠ سنوات)، فموسى أدرك الأب (رمسيس الثاني) وأدرك الابن (منفتاح) الذي أطلق عليه فرعون الخروج فحين يذكر اسم فرعون قد يكون الأب أو الابن أو كلاهما، ولذلك يجب الانتباه إلى السياق في الآيات.
{وَمَلَإِيهِ}: ولم يقل: إلى فرعون وقومه، وملئه: أيْ: وجهاء القوم، وسادة القوم، وكلمة الملأ مشتقة من ملأ العيون؛ أي: المتحدثون باسم القوم، أو الشعب، والظاهرون للعيون؛ أيْ: ممثلو الشعب، والوزراء، والنواب.
{فَظَلَمُوا بِهَا}: كذَّبوا بها، أو جحدوا بها, وإذا قارنا هذه الآية (٧٥) في سورة يونس: نجد أنه في آية الأعراف قدم الآيات على فرعون وملئه، وفي يونس قدم فرعون وملئه على الآيات، والتقديم أو التأخير عادة يكون للأهم أو الأفضل، فالآيات في آية الأعراف الأهم؛ لأنها كانت محور الجدال بين موسى وفرعون, وفي يونس لم يذكر أي تفاصيل عن الآيات, كما ذكر في الأعراف لذلك قدم فرعون وملئه.
{فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}:
{فَانظُرْ}: نظرة اعتبار، وتدبُّر، نظرة: قلبية، فكرية.
{كَيْفَ}: استفهام فيه تعجُّب.
{كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}: عاقبة: أيْ: عقاب، وعذاب المفسدين. ارجع إلى الآية (٨٦) من نفس السورة؛ لمزيد من البيان في معنى عاقبة.
{الْمُفْسِدِينَ}: جمع مفسد، والمفسد: هو الذي يخرج عن حد الاستقامة، والاعتدال، والفساد لغةً: ضد الصلاح، والفساد اصطلاحاً: هو انفلات الفرد، أو المجتمع بالخروج عن منهج الله تعالى. ارجع إلى سورة البقرة، آية (٢٠٥)؛ لمزيد من البيان في معنى المفسدين، وإذا قارنا المفسدين بقوله تعالى: (المجرمين) كما في الآية (٨٤) في نفس السورة: نجد أن المجرمين أشد وأعم من المفسدين؛ المفسدين: قسم من المجرمين.