سورة السجدة [٣٢: ٤]
{اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِىٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ}
انتهت الآية السّابقة بقوله: {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} وبدأت هذه الآية: {اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}؛ أي: لعلهم يهتدون إلى الصّراط المستقيم وإلى الله الإله الحق الّذي خلق السّموات والأرض وما بينهما.
{اللَّهُ الَّذِى}: الّذي اسم موصول يفيد التّعظيم والتّحديد والدّلالة على أنّ الله وحده الّذي خلق السّموات والأرض.
{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا}: ارجع إلى سورة الأنبياء آية (٣٠) وإلى سورة فصلت الآيتين (٩-١٢) وسورة البقرة الآيتين (٢٩، ٢٢)، وسورة الأعراف آية (٥٤) للبيان.
{وَمَا بَيْنَهُمَا}: حيث ربط الغلاف الغازي للأرض بمكونات السّماء ولذلك أصبح هذا الغلاف الغازي ليس من الأرض بالكامل وليس من السّماء بالكامل، ولكنه ظل طبقة فاصلة بين السّماء والأرض.
{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}: ثم: لتباين الرتبة والمنزلة بين صفة استوائه على العرش وخلق السّموات والأرض؛ أي: استوى على العرش أعظم وأكبر وأعجب من خلق السموات والأرض وما بينهما.
استوى على العرش: ارجع إلى الأعراف آية (٥٤)، وسورة يونس آية (٣)، وسورة هود آية (٧).
سئل الإمام أحمد رحمه الله عن تفسير هذا الاستواء، فقال: الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب والسّؤال عنه بدعة. والعرش هو أعظم المخلوقات على الإطلاق، وبما أنّه سبحانه قال: (ليس كمثله شيء) فالأفضل عدم الخوض في الغيب بدون علم.
{مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِىٍّ وَلَا شَفِيعٍ}: ما: النّافية، لكم: اللام للاختصاص فهو الّذي خلق السّموات والأرض وما بينهما بالحق، فهو الإله الحق واجب الوجود الّذي يجب أن يُعبد، ومالكم من دونه من ولي ولا شفيع.
من دونه: من سواه أو من غيره، من: ابتدائية استغراقية تستغرق كلّ ولي يشفع، والولي اشتقّت من: الولي؛ وهو الّذي يليك؛ أي: القريب منك (من الأقارب)، أو غيرهم؛ أي: ما لكم من ولي: يتولى ويرعى مصالحكم ويدبر أموركم.
{وَلَا شَفِيعٍ}: تكرار (لا) النّافية يفيد توكيد النّفي، شفيع: الّذي يشفع لكم أو يتوسط لكم لدفع العذاب أو الضّر أو تخفيفه إذا عبدتم غيره أو أشركتم به.
{أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ}: الهمزة همزة استفهام إنكاري وتوبيخ على عدم التذكر وتعجب، ألا: أداة تنبيه وحض.
أفلا تتذكرون: إن الله خالق السّموات والأرض وما بينهما هو الإله الحق فتعبدوه وتوحّدوه وتؤمنوا به، ولا تنسوا ذلك أبداً، ولو احتاج هذا الحدث خلق السموات والأرض إلى زمن طويل للتأمل والتفكير.
أفلا تتذكرون ولم يقل أفلا تذكرون، تتذكرون تحتاج إلى زمن أطول للتذكر؛ لأنّ السّياق في الصد عن الشّرك وعبادة الأصنام، فهم يحتاجون إلى زمن أطول للتذكر والتّفكر والتّأمل ليهتدوا إلى التّوحيد، أمّا تذكرون: تحتاج زمن أقصر للتذكر.