سورة الأنعام [٦: ١٠٩]
{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ}:
سبب النزول: كما جاء في الطبري: كلَّم رسول الله قريشاً، فقالوا: يا محمد! تخبرنا أن موسى كان معه عصًا يضرب بها الحجر، وأن عيسى كان يحيي الموتى، وأن ثمود لهم الناقة، فائْتنا من الآيات حتى نصدقك؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أيُّ شيء تحبون أن آتيكم به؟
قالوا: تجعل لنا الصفا ذهباً، قال فإن فعلت؛ تصدقوني؟ قالوا: نعم والله، فقام رسول الله يدعو، فجاءه جبريل فقال له: إن شئت أصبح ذهباً؛ فإن لم يصدقوا عند ذلك لنعذبنَّهم؛ أيْ: عذاب الاستئصال، وإن شئت فاتركهم حتى يتوب تائبُهم، فقال -صلى الله عليه وسلم-: أتركهم حتى يتوب تائبُهم؛ فأنزل الله هذه الآية: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا}.
{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ}: أيْ: مشركو قريش.
{بِاللَّهِ}: الباء: باء الإلصاق.
ومن خصائص القرآن: أنه يستعمل القسم في سياق الصادقين في أيمانهم، والقسم؛ حتى ولو كانوا غير مؤمنين، أو يوهمون الناس: بأنهم صادقون، ويستعمل الحلف: (ليحلفن) في سياق المنافقين، والكاذبين في أيمانهم؛ أي: ظاهرهم الإخلاص والبر في القسم وباطنهم غير ذلك. ارجع إلى سورة التوبة، آية (٥٦)؛ لمزيد من البيان والفرق بين القسم والحلف.
{جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ}: أيْ: أقسموا بالله، أبلغ الأيمان، وأغلظها، وأجهدوا أنفسهم في صيغة القسم؛ لكي تصدقوهم.
{لَئِنْ}: اللام: للتوكيد، وإن: شرطية، تفيد الاحتمال، أو الندرة.
{جَاءَتْهُمْ آيَةٌ}: معجزة، كما طلبوا؛ كتحويل جبل الصفا إلى ذهب، أو كما سألوا: أن تفجر لهم من الأرض ينبوعاً، أو تكون لك جنة من نخيل وعنب، أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً.
{لَّيُؤْمِنُنَّ}: اللام: لام التوكيد، والنون: لزيادة التوكيد.
{بِهَا}: ليؤمننَّ بها؛ أيْ: بالآية (بالمعجزة)، ولم يقولوا: ليؤمننَّ بك؛ مما يدل على نيتهم السيئة.
{قُلْ}: لهم يا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
{إِنَّمَا}: كافة مكفوفة؛ تفيد الحصر والتوكيد.
{الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ}: المعجزات بيد الله، عند الله، وليست عندي؛ فهو القادر على أن ينزل آية، أو آيات.
{وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ}:
{وَمَا}: للاستفهام، والنفي، والسؤال مُوجَّه إلى المؤمنين، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ الذين كانوا يطمعون في إسلام هؤلاء الكفار.
{يُشْعِرُكُمْ}: الإشعار: يعني: الإعلام، أشعره أعلمه.
{أَنَّهَا}: أن: للتوكيد؛ أيْ: ما يعلمكم أو يدريكم {أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ}: أيْ: أنزلها الله سبحانه عليهم ولم يؤمنوا؛ فالله سبحانه وحده يعلم الغيب، وأنتم لا تعلمون؛ فهو يعلم أنهم لا يؤمنون؛ حتى ولو نزل عليهم ما طلبوه، ولذلك لن ينزل عليهم ما طلبوه.