سورة الرعد [١٣: ٤١]
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِى الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}:
{أَوَلَمْ}: الهمزة: همزة استفهام إنكاري، الواو: لمطلق الجمع، وتدل على شدة الإنكار، وتعني: الانتظار، والتّهدئة، والتّفكير، أو ترى شيئاً مرئياً بعينك، وتنكره؛ فالواو: تفيد: كيف تنكر ذلك، ولمعرفة الفرق بين (أولم يروا)، وقوله تعالى: (أفلم يروا)؛ ارجع إلى سورة سبأ آية (٩) للبيان، ولمعرفة الفرق بين (أولم يروا)، وقوله تعالى: (ألم يروا)؛ ارجع إلى سورة الأنعام آية (٦) للبيان.
{يَرَوْا}: رؤية بصرية، أو عينية، أو رؤية قلبية، أو رؤية علمية، من الدّراسات والأبحاث العلمية الكونية، واكتشافات العلم الحديث.
{أَنَّا نَأْتِى الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}: لها عدة تفسيرات؛ نذكر منها:
التفسيرات القديمة: الأرض: إمّا تعني: بقعة، أو قطعة من الأرض، أو تعني: الأرض كلّها، وفي قوله: (نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) عدة تفسيرات؛ ذكرت في كتب التفسير؛ منها:
١ - خرابها بموت أهلها، ونقصان في الأنفس، والثّمرات بالزّلازل، والهدم، والخراب بالفيضانات، والكوارث الجوية.
٢ - بموت علمائها، وفقهائها، وأهل الخير.
٣ - بانتشار الإسلام، ونقصان ملل الكفر، والشّرك.
أمّا التّفسير العلمي: فقد ثبت علمياً: أنّ القسم اليابس من الأرض في نقصان مستمر، وأنّ أرضنا الابتدائية كانت مئة ضعف الأرض الحالية، والأرض تنكمش؛ لأنّها تفقد من ثوران البراكين ملايين الأطنان من المادة، والطاقة بشكل غازات، ونار، والتّراب البركاني، وما تفقده يعادل ما تفقده الشّمس، حتّى تبقى المسافة بين مركز الشّمس، ومركز الأرض ثابتة، وتقدر بـ (١٥٠ مليون كم)، ولولا ذلك لاحترقنا بقرب الشّمس منا، أو تجمدنا ببعد الشّمس عنا.
وهناك من فسر هذه الظاهرة بعوامل التعرية، أو غيرها من التّفسيرات الأخرى؛ فلا ينطبق عليها قوله تعالى: {مِنْ أَطْرَافِهَا} (من جميع أطرافها)، وهي تفسيرات جزئية. ارجع إلى سورة الأنبياء، آية (٤٤)؛ لمزيد من البيان.
{وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ}: أي: حين يحكم الله بحكم لا أحد يستطيع رد حكمه بعد إصداره، ولا يستطيع أحد أن يبطل حكمه، أو ينقضه، أو يعقّب على حكم الله بأي شيء.
{وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}: وهو: ضمير فصل يفيد التّوكيد.
{سَرِيعُ الْحِسَابِ}: لأنّه سبحانه يعلم ما تكسب كلّ نفس، وجميع الخلق حسابهم كحساب الواحد منهم؛ فهو لا يحتاج إلّا للقول: كن فيكون، ولأنّه سبحانه لا يشغله فعل عن فعل، أو يحاسب هذا، والآخر عليه أن ينتظر في صف، كما نرى الواحد تلو الآخر. وأمّا الميزان: فهو لإقامة الحجة على العبد؛ فالله سبحانه قادر على أن يحاسبهم، كما يرزقهم كلّهم جميعاً في آن واحد، كما أجاب الإمام علي -رضي الله عنه- .