للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة الأنعام [٦: ٥٤]

{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}:

{وَإِذَا}: الواو: عاطفة، وإذا: ظرفية للمستقبل، وتتضمن معنى الشرط.

{جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا}: أيْ: جاءك الذين يصدقون، ويؤمنون بآياتنا من هؤلاء الذين يريدون وجهه، ويدعون ربهم بالغداة والعشي، ونهيناك عن طردهم إذا جاؤوك هم، أو غيرهم من المؤمنين.

والمجيء فيه معنى المشقة، والصعوبة؛ لكونهم كانوا يخفون إيمانهم خوفاً من كفار قريش.

{فَقُلْ}: الفاء: رابطة لجواب الشرط؛ تفيد التوكيد؛ أيْ: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

{فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ}: الفاء: للمباشرة والتعقيب؛ قل لهم يا محمد -صلى الله عليه وسلم- لهم؛ أي: للذين يؤمنون: سلام عليكم؛ أي: ألقي عليهم تحية الإسلام، وهي السلام عليكم مع أن المتعارف عليه أن يلقي من يدخل السلام؛ فهذا يدل على كرامتهم عند الله تعالى بأن يوصي نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يبدأهم بالسلام حين دخولهم، وسلام جاءت بالرفع: لتدل على السلام الثابت الدائم، وفي هذا بشرى للمؤمنين؛ سلام أمان من الله لكم؛ من ذنوبكم، و {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ}: جملة اسمية تدل على الثبوت، وكذلك نكرة تشمل سلام التحية، وسلام الأمن، وعدم الخوف، وسلام من كل مكروه، وغير مستحب.

{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}:

{كَتَبَ}: وعدكم ربكم من ذاته العلية الرحيمة، وتفضلاً منه، وإحساناً، ومِنَّةً. وقيل: كتب في اللوح المحفوظ على نفسه الرحمة، وأن يتقبل توبتكم.

{أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}:

{أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا}:

{أَنَّهُ}: شرطية؛ تفيد الاحتمال، والعلَّة.

{مَنْ}: ابتدائية، استغراقية.

انتبه إلى قوله: من عمل، ولم يقل: كسب، كسب: تستعمل عادة في الخير، وليس في السوء.

{سُوءًا}: السوء: كلٌّ إثم وقبح، يسوء إظهاره، أو سيِّئ العاقبة، مثل: المعاصي، والزِّنى، والسيئات: الصغائر، والكبائر.

{سُوءًا}: نكرة؛ تشمل كلَّ سوءٍ.

{سُوءًا بِجَهَالَةٍ}: الباء: السببية، سبب جهالة؛ أيْ: سفه وطيش، والطيش: هو عدم تدبر نتائج أفعاله، والسفه؛ لكونه لا يُقدَّر قيمة ما يفوته من الثواب والأجر، وما يلحقه من العذاب. ارجع إلى سورة النساء، آية (١٧) لمعرفة الفرق بين جهل وجهالة.

{ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ}: ثم: هنا للبعد؛ أي: التباين بين عمل السوء، والتوبة، وهي ليست للتراخي في الزمن.

وأركان التوبة: الكف عن المعصية، وعدم العودة إليها، والندم، والإكثار من النوافل، وإصلاح ما أخذه.

{بَعْدِهِ}: من بعد عمل السوء.

{وَأَصْلَحَ}: ردّ المظالم إلى أهلها، وأصلح ما أفسده بالمعصية.

{فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}: الفاء: جواب الشرط (أنه). أن: تفيد التوكيد.

{غَفُورٌ}: صيغة مبالغة؛ أيْ: كثير المغفرة، ويغفر الذنوب العظام، ولو كانت مثل زبد البحر، ولا يفضح خلقه، ويستر ذنوبهم، ويمحوها، ويعفو عنها.

{رَحِيمٌ}: صيغة مبالغة، كثير الرحمة، لا يعجل العقاب، أو العذاب لعباده؛ حتى يتوبوا، ودائم الرحمة، يمحو السيئات، ويثيب على الحسنات، فهو رحيم بعباده المؤمنين في الآخرة.