للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة آل عمران [٣: ٣٧]

{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}:

{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا}: رضي بمريم (كأنثى) في النذر بدلاً من الذكر (الولد)؛ أي: قَبِلَ الله مريم برضاً بدلاً من المحرر.

وقَبِلَ تسلمها من أمها، وذلك أن أمها جاءت بها بيت المقدس، ووضعتها عند الأحبار، وقالت لهم: دونكم هذه النذيرة، فتنافسوا فيها، فقال زكريا: أنا أحق بها عندي خالتها، فقالوا: لا لكنا نقترع عليها، فتكون عند من خرج سهمه، فألقوا أقلامهم فخرج قلم زكريا فوق الماء، ورست أقلامهم، فتكفلها زكريا حينذاك.

القبول: هو أخذ الشيء برضاً؛ أي: بعث لها من يتكفل بتربيتها التربية الحسنة، وهو زكريا.

{بِقَبُولٍ حَسَنٍ}: برضاً حسن؛ أي: رضاً زائد.

{وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا}: رباها ربها تربية حسنة، ونشأت نشوءاً حسناً، وذلك على يدي زكريا. وقال تعالى: (نباتاً) ولم يقل (إنباتاً): لكي يظهر لنا أنها كانت أهلاً لهذا الإنبات لطهارتها وطاعتها لربها، ولو قال إنباتاً: لما كان لها فضل أو مشاركة في الإنبات.

{وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا}: بوحي من الله؛ للقيام بذلك، وكان زكريا متزوجاً من أخت مريم، فهو زوج خالتها، وكفلها؛ أي: تولى أمر تربيتها، ورعاية شؤونها، وقيل: ضم زكريا مريم إلى خالتها، واسترضع لها حتى إذا شبت وبلغت مبلغ النساء بنى لها محراباً في المسجد لا يرقى إليها إلا بالسلم؛ أي: لا يصعد إليها غيره.

{كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا}: كلما: تدل على كثرة الدخول؛ أي: المرات المتعددة؛ حتى يأتيها بالطعام، والشراب، وقيل: كان يغلق عليها الأبواب.

كلما: مركبة من (كل): ظرف شرطي، و (ما): مصدرية ظرفية؛ أي: هي أداة شرط تفيد التكرار.

المحراب: هو مقدم كل مصلى؛ حيث يقف الإمام، وقيل: المحراب غرفة، أو مقصورة في مقدم المعبد، يُصعد إليها بسلم، واشتقت كلمة المحراب من الحرابة، وتعني: محاربة الشيطان، ومحاربة وساوسه التي تكون على أشدها في هذا المكان، مكان الإمام.

{وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا}: في كل مرة يدخل يجد عندها رزقاً، ورزقاً: نكرة لم يحدد ما هو الرزق؛ لكثرته، فهو أجناس متعددة، قيل: من ثمار الجنة فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف.

{قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا}: أنى؛ أي: من أين لك هذا الرزق؛ أي: مصدره، لا يشبه أرزاق الدنيا؛ لكونه في غير حينه (زمنه)، والأبواب مغلقة عليك، ولا يدخل عليك أحد.

انتبه:

(أنى) هذه تحمل معنى كيف، ومعنى أين، وللاستفهام (فالاستفهام بها أقوى من كيف)، وتحمل معنى التعجب.

{قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}: أجابت بهذه الإجابة، وهي طفلة صغيرة.

{إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}: إن: للتوكيد، يرزق من: من استغراقية، من يشاء بغير حساب؛ أي:

١ - بغير عد (أي: بغير إحصاء لكثرته).

٢ - بغير حساب أن تنفذ خزائنه سبحانه.

٣ - بغير استحقاق للمرزوق (مقابل الإيمان، أو عمل صالح).

٤ - من حيث لا يحتسب المرزوق.

٥ - يرزقه ولا يُسأل لماذا ترزقه الكثير، أو أكثر من غيره.

٦ - وبغير تقتير وتضييق.