سورة النساء [٤: ٩٠]
{إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا}:
{إِلَّا}: أداة استثناء؛ أيْ: لا تأسروا، ولا تقتلوا منهم: الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق، أو الذين حصرت صدورهم.
الصنف الأول: الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق: هو العهد الموثق بالأيمان، أو القسم، وهو أشد من العقد والعهد؛ ارجع إلى سورة البقرة آية (٢٧) لمزيد من البيان، هم:
الذين التحقوا، أو انضموا إلى صف القوم الذين بينكم وبينهم ميثاق، أو عهد، أو صلح مثل صلح الحديبية، كما ورد في صحيح البخاري، فهؤلاء أصبحوا معهم على عهدهم، من أحب أن يدخل في صلح قريش وعهدهم دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في صلح محمد وأصحابه، وعهدهم دخل فيه بحكم استجارتهم بالقوم الذين بينكم وبينهم ميثاق وطلبهم الأمان منهم، فأمنوهم أنتم حتى لا تنقضوا عهدكم معهم.
الصنف الثاني: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ}:
الصنف الثاني هم المحايدون الذي حصرت صدورهم؛ أيْ: ضاقت صدورهم، ولا يرغبون في قتالكم، ولا يرغبون أن يقاتلوا قومهم معكم، بل هم لا لكم، ولا عليكم.
فاصبروا عليهم، ولا تأسروهم، أو تقتلوهم.
{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ}: ولكن من رحمته ورأفته بكم أن اعتزلوكم، وكيف بأس هذين الفريقين عنكم، ولذلك: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا}.
{فَإِنِ}: الفاء: عاطفة. إن: شرطية تفيد الاحتمال.
{وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ}: أيْ: الصلح والهدنة، اعتزلوكم بمعنى: كفوا أيديهم عنكم، ولم يتعرضوا لكم، ولم يقتلوكم، وألقوا إليكم السلم؛ أيْ: الصلح، والهدنة، ولمعرفة الفرق بين السِّلْم، والسَّلْم، والسَّلَم؛ ارجع إلى سورة البقرة آية (٢٠٨) للبيان المفصل.
{فَمَا}: الفاء: للتعقيب والمباشرة، ما: النافية.
أيْ: ما {جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا}: أيْ: أن تأسروهم، أو تقتلوهم (كما شاء الله لم يسلطهم عليكم).