سورة هود [١١: ٨٤]
{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّى أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ}:
{وَإِلَى مَدْيَنَ}: وأرسلنا إلى مدين: اسم قبيلة؛ قبيلة مدين بن إبراهيم -عليه السلام- ، أو اسم لمدينة مدين نسبة إلى مدين بن إبراهيم -عليه السلام- ، ثمّ انتقل اسمه فأطلق على اسم قبيلته، أو اسم مكان إقامتهم؛ كقوله: ولما ورد ماء مدين، فصارت مدين علماً على المكان، أو القبيلة، ومدين نبع قرب البحر الأحمر.
{أَخَاهُمْ شُعَيْبًا}: شعيب: هو النّبي العربي الّذي أرسل إلى قبيلة مدين، أو أرسل إلى مدينة مدين كلاهما صحيح، وسُمِّي أخاهم؛ لأنّه نشأ بينهم، وتحلَّى بعادتهم؛ فهم يعرفونه بأخلاقه وسيرته، بينما في سورة الشعراء آية (١٧٦-١٧٧): {كَذَّبَ أَصْحَابُ لْـئَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ} ولم يقل أخوهم شعيب كما قال في آية هود؛ لأن شعيب ليس من أصحاب الأيكة؛ أي: ليس له نسب فيهم، وإنما أرسل إليهم كما أرسل إلى أصحاب مدين.
{قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}: وبدأ دعوته لقومه كما بدأ غيره من الرّسل بدعوتهم إلى عبادة الله وحده (لا إله إلا الله)، كما فعل كلّ رسول حيث كان أهل مدين يعبدون الأصنام، ويمتازون بالغش في الأسواق، والتّجارة، وكانوا يقطعون الطّرق، ويفسدون في الأرض بالقتل والسرقة، والتّطفيف في الميزان، والمكيال.
فشعيب أرسل ليصلح الحالة الاقتصادية السيئة، والفساد في الأرض الّذي يقوم به قومه؛ بينما لوط أرسل ليصلح حالة اجتماعية فاسدة، وهي اللواطة، والمنكر، إضافة إلى الدّعوة إلى الله.
{وَلَا}: الواو: عاطفة؛ لا: النّاهية.
{تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ}: الخطاب موجَّه إلى كلّ من البائع، والمشتري معاً؛ بعدم التّلاعب بالمكيال، والميزان بالزّيادة، أو النّقص؛ سواء حين البيع، أو حين الشّراء.
{الْمِكْيَالَ}: هو كلّ شيء يكال به من قمح، أو زبيب، أو تمر، أو حليب، أو غيره يسمَّى المكيال.
{وَالْمِيزَانَ}: كلّ شيء يوزن به سُمِّي الميزان؛ لوزن السّلع، والبضائع، والذّهب، والفضة… وغيرها.
فقد كان بعضهم إذا باع أنقص من الوزن، أو المكيال للمشتري، وإذا أراد أن يشتري البضاعة زاد في الوزن، أو المكيال؛ كي يأخذ أكثر من حقه من البائع، فجاءت هذه الآية تأمر كلّ إنسان أن يأخذ حقَّه فقط.
{إِنِّى أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ}: إنّي: توكيد.
{أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ}: في سعة من الرّزق، والنّعمة، والبركات؛ يُغنيكم عن التّطفيف في المكيال والميزان.
{وَإِنِّى}: توكيد.
{أَخَافُ عَلَيْكُمْ}: إذا لم تؤمنوا، وتنتهوا عن البخس، والنّقص.
{عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ}: صفة لليوم؛ أيْ: يوم مهلك لكل شيء، وقيل: هو صفة للعذاب، وهذا أبلغ عذاب محيط بكلّ فرد لا ينجو منه أحد.