سورة الأعراف [٧: ٥٧]
{وَهُوَ الَّذِى يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}:
هذه الآية: تتمة للآية السابقة، ومن رحمته يرسل الرياح؛ لتحمل السحب، وتقوم على تلقيحها، والسحاب الثقال: هي التي تبشر بالمطر؛ أي: السحب الركامية.
{وَهُوَ}: الواو: عاطفة، هو: ضمير منفصل؛ يفيد الحصر، والتوكيد، والقصر على الله سبحانه وحده الذي يرسل الرياح.
{يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ}: يرسل: بلفظ المستقبل؛ لأنه سبق ذلك قوله: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا}، والدعاء والطمع يكون في المستقبل؛ أي: ليناسب ما قبله بشراً؛ أيْ: تبشر بالمطر. ارجع إلى سورة النحل آية (٨٩) لمزيد من البيان في معنى بشراً.
{رَحْمَتِهِ}: هنا: هو المطر؛ ولنعلم أن كلمة الرياح في القرآن أينما ذكرت؛ فإنها تحمل معنى الخير، والنِّعمة، بعكس كلمة الريح في القرآن؛ التي تحمل معنى الشر، والنقمة.
{حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ}: حتى: حرف نهاية الغاية.
{أَقَلَّتْ}: أي: الرياح، لها معنيان: الأول: أقلَّت: من القلة ضد الكثرة، أقل وزناً، والثاني: حملت، فالرياح تحمل السحاب بأنواعه المختلفة، ورغم أن الرياح أقل وزناً من السحب؛ فهي قادرة على حمل السحب الركامية؛ حتى ولو كان وزن السحب آلاف وملايين الأطنان، وهذه آية من آيات قدرة الله تعالى يجعل الأقل وزناً يحمل أكثر وزناً؛ كمثل الإنسان الذي يحمل الأثقال وزنه (١٥٠-٢٠٠كغ) يرفع (٤٠٠-٥٠٠كغ).
{سَحَابًا}: اسم جنس، والسحب، أو السحاب: جمع سحابة.
ولذلك قال: {سُقْنَاهُ}، يعود على {سَحَابًا ثِقَالًا}، ولم يقل: سقناها: تعود على الرياح.
{لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ}: لبلد: واللام: لام التعليل، ميِّت: بتشديد الياء مُجدِب، ليس فيه نبات؛ أي: ما زالت على قيد الحياة، وستموت إذا لم يصلها الماء. ارجع إلى سورة الفرقان آية (٤٩) لمزيد من البيان، والفرق بين ميِّت وميْت.
{فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ}: الفاء: تدل على التعقيب، والترتيب، والمباشرة.
في هذه الآية: يتحدث سبحانه عن دورة الماء على الأرض، فأشعة الشمس تبخر الماء من البحار، والمحيطات، والأنهار… وغيرها، ويرسل الله رياحاً؛ لتحمل هذا البخار، وتتشكل السحب التي لا تمطر؛ حتى يرسل إليها ريحاً أخرى تحمل هباءات الغبار التي تلقح السحاب؛ أيْ: بخار الماء الذي تبخر من الأرض، ويبدأ بخار الماء بالتكثف؛ فتتكون قطرات الماء؛ فينزل المطر بالقدر الذي يشاء الله -جل جلاله- ، وفي المكان، والزمن الذي يشاء الله -جل وعلا- .
{فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ}: أخرجنا بالماء، أو المطر، من كل الثمرات: من: استغراقية، فحين يدخل الماء في البذرة، أو الحبة؛ تبدأ البذرة تنمو، وتتغذَّى بالجذر من عناصر، أو مركبات التربة، وكل بذرة قادرة على اختيار ما يلائمها من العناصر، ومركبات الأرض، والشفرة الوراثية الموجودة داخل البذرة تختار هذه العناصر؛ لتشكل الثمار المختلف ألوانها، وشكلها، وطعمها.
{كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}: أيْ: كما أحيينا هذا البلد الميت بالمطر، أو الماء؛ نحيي الموتى بالبعث، بإرسال عليهم مطراً؛ فينبت به أعجاز الذنب، وبالتالي الناس يخرجون من قبورهم. ارجع إلى سورة الروم، آية (١٩)؛ للبيان المفصل.
{لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}: لعلَّ: أداة تعليل.
{لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}: قدرة الله سبحانه هذه، ورحمته مرة أخرى، ولا تنسوها؛ إنه قادر على بعثكم، وحسابكم، لنقارن هذه الآية (٥٧) من سورة الأعراف، والتي يقول فيها -جل جلاله- : {وَهُوَ الَّذِى يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ}: جاءت بصيغة المضارع، مع الآيات الأخرى في سورة الروم، آية (٤٨)، وفي سورة الفرقان، آية (٤٨)، وسورة فاطر، آية (٩): فكلها جاءت بصيغة الماضي أرسل الرياح.
فالسياق هو الذي يحدد، فحينما يستعمل صيغة المضارع (يرسل): نجد الآيات السابقة لتلك الآية تتحدث بصيغة المضارع.
وحينما يستعمل صيغة الماضي (أرسل): نجد الآيات الأخرى، أو السابقة تتحدث عن الماضي.
إذن السياق هو السبب في الاختلاف بين الآيات أحياناً.