سورة الأحزاب [٣٣: ٣٧]
{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِى أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَىْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا}:
كما أخبرت كتب السيرة اختار زيد البقاء مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما طلب منه أبوه العودة والعيش معه، فسمي زيد بن محمّد، ولما بلغ سن الرشد أراد الرّسول أن يزوِّجه من زينب بنت جحش، وهي ابنة عمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسيدة من سيدات قريش فرفضت ورفض أخوها عبد الله، فنزلت الآية (٣٦) السّابقة، فأذعنوا لقدر الله وقضائه وقبلت بالزّواج من زيد، وكان هناك عدم تكافؤ اجتماعي بين زينب وزيد آنذاك، وتعالت زينب على زيد وحدث نشوز بينهما، وكان حبُّ زيد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمنعه أن يطلِّقها، وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول لزيد: أمسك عليك زوجك واتق الله، وجاء الأمر الإلهي بأن يطلِّقها زيد ويُؤمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالزّواج منها، وإلغاء مبدأ التّبني، فخشي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ألسنة الكفار؛ كيف يتزوج من امرأة ابنه زيد الّذي تبنَّاه خشية استحياء.
{وَإِذْ}: واذكر إذ ظرفية.
{تَقُولُ}: (يا محمّد -صلى الله عليه وسلم- للذي أنعم الله عليه (بالإسلام والإيمان).
{وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ}: بالعتق أوّلاً، وجعلته ابناً لك بالتّبني قبل تحريم التّبني، وأنعمت عليه بأن زوَّجته ابنة عمتك زينب:
{أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ}: تقول لزيد: أمسك عليك زوجك خوفاً من كلام النّاس أن يقولوا تزوَّج من امرأة ابنه الّذي تبناه.
{وَاتَّقِ اللَّهَ}: هذا قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لزيد، واتق الله؛ أي: في أمر طلاقها ولا تطلقها، والله سبحانه يريد من زيد أن يطلق زينب وأن يُنهي عادة التّبني، وأن يتزوّج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زينب، وكان أمر الله مفعولاً لا رجعة فيه حاصل لا محالة.
{وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ}: تخفي في نفسك ما أظهره الله لك على أنّك ستتزوج منها بعد طلاقها من زيد.
{وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}: تخشى من كلام النّاس خشية استحياء، والله أحق أن تخشاه.
{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا}: أيْ: لم يعد له فيها حاجة ولم يعد بينهما أيُّ رابطة وطلقها زيد.
{زَوَّجْنَاكَهَا}: الزواج: يدل على الدخول والاقتران، والنكاح: يدل على العقد؛ زوَّجه الله بها من فوق سبع سموات، وكانت زينب تفتخر على بقية أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتقول: زوجني ربي، زوجناكها بعد انقضاء عدتها.
وانتبه إلى قوله تعالى: زوجناكها: زوَّج أيْ: زَوَّجه غيره من فوق سبع سموات، أمّا تزوَّج: فتعني تزوَّج بنفسه وبرغبته بينما زُوج: قسراً ومن دون خيرة، والضّمير زوجناكها يعود على الله سبحانه والكاف لخطاب رسول الله والهاء تعود على زينب، زوجناكها لكي نرفع الحرج عن المؤمنين في أزواج أدعيائهم الّذين تبنوهم بعد طلاقهنَّ التّام.
{وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا}: كائناً لا محالة لا تبديل ولا تغيير، والأمر يشمل كلّ شيء وزيادة.
وفي هذه الآية كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدوة في تطبيق هذه الآية من ناحيتين:
الأولى: فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدوة في تنفيذ أمر الله حين قال: ما كان لمؤمن إذا قضى الله أمراً أن يكون له الخيرة في أمره.
الثّانية: لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وزيد وزينب هم الّذين اختارهم الله سبحانه ليكونوا أوّل من ينفِّذ أمر الله سبحانه في هذه القضية وينالوا رضاه وثوابه، ويكونوا قدوة للآخرين، ولذلك ذكر اسم زيد في القرآن كثواب له ولم يذكر اسم زينب ستراً لها.
وإذا انتبهنا إلى كلمة لكي لا يكون في هذه الآية كيف جاءت كلمة لكي مفصولة عن لا، ولم تكتب لكيلا، فالفصل بين الكلمتين (كي) و (لا) لتناسب سياق الآية في الطّلاق الّذي هو فصل بين الزّوج والزّوجة لترى أنّ كتابة الكلمة في القرآن بحد ذاته له معناه الخاص ويجاري سياق الكلام.
بينما كلمة لكيلا جاءت متصلة في سورة الحج الآية (٥) وهي قوله تعالى: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْـئًا}. ارجع إلى سورة الحج الآية (٥) للبيان.