للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة البقرة [٢: ٣٥]

{وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}:

{وَقُلْنَا يَاآدَمُ}: وقلنا قولاً، فيه تكريم، وتعظيم لآدم، لإسناد القول إليه -جل وعلا- .

{اسْكُنْ}: من السكينة، والسكن في اللغة؛ البيت، الذي يكون فيه زوجان، فالزوجة سكن لزوجها، وزوجها سكن لها، وفيها معنى الإقامة والاستقرار.

{اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}: بما أنه خاطب آدم وحده، فالسكن مطلب، وواجب على الرجل، وكلمة زوجك؛ تطلق على الرجل، أو المرأة، ففي اللغة؛ يقال: المرأة زوج الرجل، والرجل زوج المرأة، والزوجة تعني: المثيل للزوج؛ أي: المماثلة لزوجها، وإذا كانت مخالفة تسمى امرأة؛ ارجع إلى سورة التحريم آية (١٠) للبيان، والفرق بين الزوجة والمرأة.

{الْجَنَّةَ}: تعريفها: كل بستان ذي شجر كثيف، وفيها من الثمرات، والخيرات الوفيرة. ارجع إلى الآية (٢٥) للبيان.

واختلف المفسرون في هذه الجنة، هل هي جنة في الأرض، أم جنة في السماء، ولو نظرنا في القرآن، لوجدنا ذكر الجنة، قد ورد في سياق سورة الكهف، والقلم، وسبأ، وكلها تشير إلى أنّ الجنة، هي على الأرض، وليس جنة الآخرة، ففي سورة الكهف آية (٣٢): {جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ}، وفي سورة القلم، الآية (١٧): {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ}، وفي سورة سبأ، الآية (١٥): {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِى مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ}، ويميل أكثر المفسرين، أنها جنة في الأرض، جنة أرضية، وليس جنة الخلد، أو جنة الآخرة.

{وَكُلَا}: كل واحد يأكل، وهنا ثنى الفعل، ولم يقل: فكلا بالفاء؛ لأنّ الفاء، تعني: أن يأكل مباشرة، عقب الدخول، والواو أرحب زمناً من الفاء. {رَغَدًا}: الرغد هو الرزق، الواسع، الكثير، {رَغَدًا}: أكلاً، هنيئاً، لا عناء فيه، ولا حجر عليه.

{حَيْثُ شِئْتُمَا}: ظرف للسكن، والأكل؛ أي: اسكنا {حَيْثُ شِئْتُمَا}، وكلا {حَيْثُ شِئْتُمَا}.

{وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ}: لا بالدنو منها، ولا بالأكل من ثمارها، وأما ما نوع هذه الشجرة، فلا يهم، فقد أبهم القرآن تعينها، والنهي بالقرب منها؛ للمبالغة في النهي عن الأكل منها؛ أي: لم يقل سبحانه: ولا تقربا هذه الشجرة، ولا تأكلا منها، وإنما اقتصر على الاقتراب؛ لأنّ الأكل سيحصل بعد الاقتراب، بسبب الشهوة، ولو نهى عن الأكل فقط منها، ولم ينهَ عن الاقتراب، عندها لن يقاوم شهوته.

{فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}: الظلم؛ هو الجور، والتعدي، والإنسان، قد يظلم نفسه، مثلاً؛ بفعل المعاصي، والذنوب، أو الخروج عن طاعة الله، أو المنهج، أو قد يظلم غيره، بالتعدي على حقوقه، ولا يعطيه حقه مثلاً، وهو الظلم الاجتماعي يضم ظلم الأموال، وظلم الأعراض، وهناك الظلم العقدي؛ أي: الشرك والكفر والنفاق، وقد ورد الظلم ومشتقاته في القرآن في حوالي (٢٨٩ موضعاً).

وهنا {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}؛ أي: من الّذين ظلموا أنفسهم، بمعصية الله، بالأكل من تلك الشجرة.