سورة الأنعام [٦: ٩١]
{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَىْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِى جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ}:
سبب النزول: اختلف في سبب نزول هذه الآية، وفيمن نزلت، فمنهم من يرجِّح؛ كما ذكر ابن عباس -رضي الله عنهما- : أنها نزلت في مشركي قريش، ومنهم من يرجح أنها نزلت في اليهود، والعبرة بعموم اللفظ، وليس بخصوص السبب.
{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}: وما: الواو: استئنافية. ما: النافية.
{قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}: الضمير يعود على اليهود، أو على مشركي قريش.
أي: ما عرفوا قدر الله وحقه، وما عظموه حق عظمته.
{إِذْ قَالُوا}: ظرفية؛ تعني: حين قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-. ما: النافية.
{مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَىْءٍ}: حين أنكروا بعثة الرسل، والوحي إليهم.
{مِنْ}: استغراقية، تستغرق أيَّ شيء.
{شَىْءٍ}: نكرة، لا كتاب، ولا وحي، ولا صحيفة، ولا أيِّ شيء، ومبالغة في الإنكار.
{عَلَى بَشَرٍ}: رسول، أو نبي، أو أيِّ بشر.
قل يا محمد لليهود، أو مشركي قريش، من: للاستفهام، والتوبيخ {أَنْزَلَ}: ولم يقل (نزل)؛ لأن التوراة أنزلت دفعة واحدة، و (نزل) تعني: منجماً على دفعات كثيرة، الكتاب الذي جاء به موسى هو التوراة؛ أيْ: من أنزل على موسى -عليه السلام- التوراة.
{نُورًا}: النور الكاشف للشبهات؛ والكاشف للحق من الباطل، ويبيِّن الأحكام للناس، والحلال من الحرام.
{وَهُدًى لِلنَّاسِ}: أيْ: مصدر هداية، أو سبب لهداية الناس؛ للوصول إلى الحق، والصراط المستقيم، والغاية. للناس: اللام: لام الاختصاص.
{تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ}: أيْ: تجعلون التوراة قراطيس؛ أيْ: تكتبونه في أوراق (قراطيس)، أوراق، أو دفاتر، والغاية من جعلها قراطيس؛ ليتمكنوا من إظهار ما يريدون إظهاره، وإخفاء ما يريدون إخفاءه، ولو جعلوه في كتاب؛ لكان متعذراً فعل ذلك.
{تُبْدُونَهَا}: تظهرونها لناس متى تشاؤون، أو كيف تشاؤون.
{وَتُخْفُونَ كَثِيرًا}: تخفون كثيراً من هذه القراطيس؛ التي فيها نعت محمد -صلى الله عليه وسلم- مثلاً، وصفاته، وآية الرجم، وغيرها.
{كَثِيرًا}: للتوكيد.
{وَعُلِّمْتُم مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ}:
{وَعُلِّمْتُم}: الخطاب إلى مشركي قريش، أو اليهود.
{وَعُلِّمْتُم مَا لَمْ تَعْلَمُوا}: على لسان محمد -صلى الله عليه وسلم-، مما أوحى الله إليه في القرآن، وأخبركم به، وما جاء في التوراة، أو كان في التوراة، ولم تعلموه، ولا حتى آباؤكم، لم يعلموه؛ الذين كانوا أعلم منكم.
{أَنتُمْ}: للتوكيد.
{وَلَا آبَاؤُكُمْ}: لا: النافية المطلقة.
وأكَّد ذلك في آيات أخرى؛ منها: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: ٥].
{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِى إِسْرَاءِيلَ أَكْثَرَ الَّذِى هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [النمل: ٧٦].
قل الله: هذا جواب للسؤال؛ من أنزل الكتاب.
فإن أجابوك الله كان بها، وإلا فقل لهم: الله الذي أنزل الكتاب.
{ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ}: ثم: للتوكيد.
{ذَرْهُمْ}: اتركهم، أو أعرض عنهم، أو دعهم.
{فِى خَوْضِهِمْ}: في باطلهم، وجهلهم، وضلالهم يخوضون. ارجع إلى الآية (٦٨) من نفس السورة؛ للبيان.
{يَلْعَبُونَ}: من اللعب: وهو العبث، وإضاعة الزمن، والاستهزاء، والخوض في آيات الله، أو حتى يأتيهم اليقين, وفي الآية تحذير ووعيد للكافرين.