سورة الرعد [١٣: ٣]
{وَهُوَ الَّذِى مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}:
{وَهُوَ}: ضمير منفصل؛ يفيد الحصر؛ تعود على الله سبحانه.
{الَّذِى مَدَّ الْأَرْضَ}: مد: بسط طولاً وعرضاً؛ أي: مد قشرة الأرض؛ فالأرض كانت مغمورة بالماء كاملاً، ولم تكن هناك يابسة، ثم فجر الله قاع هذه الأرض بالبراكين الّتي ألقت بحممها تدريجياً حتّى ظهرت فوق الماء بشكل جزر تسمى الحافة في وسط المحيط، وبدأت هذه الجزر تتمدد لتشكل القارة الأم الّتي تفتتت بشبكة من الصدوع إلى قارات، ثم بدأت القارات تتباعد حتّى وصلت إلى أماكنها الحالية.
{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ}: أي: أرسى الجبال في الأرض.
{رَوَاسِىَ}: لا تعني فقط الجبال، بل الصّفائح القارية تحت المحيطات، والطبقات المركزية المكونة للأرض، والمركبة من الحديد، والنّحاس؛ فالرّواسي: تشمل الجبال البارزة فوق سطح الأرض، وتحت سطح الأرض المنغمسة في القشرة الأرضية الصّلبة، وما تحت البحار، والمحيطات، هذا التّوزيع للرواسي على الأرض؛ حتّى لا تميد؛ أي: لا تضطرب، أو تميل، وتبقى في حركة ثابتة ودائمة حول نفسها، وحول الشّمس. ارجع إلى سورة النحل، آية (١٥).
{وَأَنْهَارًا}: يرتبط تكوُّن الجبال بتكوُّن الأنهار عادة؛ لأنّ الجبال تصد الرياح الحاملة لبخار الماء؛ مما يؤدي إلى تشكل السحب الركامية، ونزول المطر الّذي يسيل إلى أسفل الجبال، ويساعد على تشكل الأنهار. ارجع إلى سورة إبراهيم، آية (٣٢).
{وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ}: كلمة "زوج" مفرد، والزوجان هما الذّكر والأنثى، والزّوج؛ أي: المثيل، وجعل أي خلق من كل شيء من النبات، والثمرات، والإنسان، والحيوان، وكل مخلوق زوجين؛ ليبقى وحده سبحانه منفرداً بالوحدانية.
{اثْنَيْنِ}: للتوكيد.
{يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ}: يغطي الليل النّهار؛ أي: طبقة الظّلام تغطي طبقة النّهار (الطّبقة الغازية) الّتي تضيء حين تصل إليها أشعة الشّمس حين تدور الأرض حول نفسها في كلّ (٢٤ ساعة) مرة. ارجع إلى سورة يونس، آية (٦٧)؛ لمزيد من البيان.
{إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ}: إنّ: للتوكيد.
{فِى}: ظرفية.
{ذَلِكَ}: اسم إشارة، واللام: للبعد.
{لَآيَاتٍ}: اللام: للتوكيد؛ آيات: كونية عظيمة لقوم يتفكرون.
{لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}: لقوم: اللام: لام الاختصاص.
{يَتَفَكَّرُونَ}: من التّفكر، وهو النّظر في الدّلائل الدالة على وجود الخالق، والدالة على عظمته، وقدرته، ووحدانيته، وأنّه الإله الحق الّذي يجب أن يُعبد، ويقدس.