سورة الحجرات [٤٩: ١٤]
{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْـئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}:
أسباب النّزول: قيل: نزلت هذه الآية في أعراب بني أسد الذين قدموا المدينة بأولادهم ونسائهم في سنة مُجدبة، فأظهروا الإسلام طمعاً في الصدقات أو المغانم ولم يكونوا مؤمنين حقاً وكانوا يمنُّون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعدم قتاله.
وقيل: نزلت هذه الآية في أعراب مزينة وجهينة وأسلم وأشجع وغفار، الذين قالوا: آمنا بالله؛ ليأمنوا على أنفسهم، فلما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الحديبية تخلَّوا عنه ولم يخرجوا معه، وهم الذين قالوا: {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا} [الفتح: ١١].
{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا}: أنّث كلمة (قال) بإضافة تاء التّأنيث التي تدل على الكثرة؛ أي كثرة الأعراب الذين أسلموا؛ أي: دخلوا في الإسلام وادَّعوا الإيمان، ولم يقل قال الأعراب التي تدل على القلة.
فردّ الله تعالى عليهم: {قُلْ لَّمْ تُؤْمِنُوا}: قل لهم يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لم تؤمنوا؛ أي: لا يكفي القول باللسان: آمنّا؛ لأن الإيمان لم يصل بعد ويستقر في قلوبكم أو يتمكّن الإيمان في قلوبكم.
{وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}: ولكن حرف استدراك وتوكيد.
قولوا أسلمنا: أسلمنا لها معانٍ عدّة: الشهادة: القول لا إله إلا الله محمد رسول الله، أو أسلمنا: معناه الاستسلام والخضوع خوفاً من القتل أو الإسلام باللسان (بالقول) فقط وعدم موافقة القلب كما يفعل المنافقون.
{وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ}: لما حرف نفي تدل على استمرار النفي إلى زمن نزول هذه الآية أو وقت هذا الكلام.
ومن أسلم بلسانه ولم يؤمن بقلبه فهو منافق، وقد بيّن في الآية (١٥) حقيقة الإيمان ومعنى الصّدق في الإيمان.
{وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ}: وإن شرطية تفيد الاحتمال أو النّدرة، تطيعوا الله ورسوله: وحّد طاعة الله تعالى وطاعة رسوله. ارجع إلى سورة النساء آية (٥٩) للبيان.
{لَا يَلِتْكُم}: لا النّافية، يلِتْكم: من ألت يألت: أنقص: لا ينقصكم.
{مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْـئًا}: مِنْ ابتدائية؛ أي: لا ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئاً ولو كان مقدار حسنة، وأما النفاق فهو يحبط أعمالكم.
{إِنَّ اللَّهَ}: إن للتوكيد.
{غَفُورٌ} صفة مبالغة من غفر، وغفر: ستر، والسّتر يؤدي إلى المحو وعدم المعاقبة على الذّنب، وغفور يغفر الذّنوب العِظام مهما عظمت، وأمّا الغفار: يغفر الذّنوب مهما كثرت وتعدّدت.
{رَحِيمٌ}: على وزن فعيل: كثير الرّحمة لعباده المؤمنين ودائم الرّحمة، وأمّا رحمان: فهو متجدد الرّحمة لا يعجل بالعقوبة أو بالعذاب. ارجع إلى سورة الفاتحة آية (٣).