سورة النساء [٤: ٤٣]
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا}:
نداء جديد من الله سبحانه إلى الذين آمنوا بعدم الاقتراب من الصلاة، أو المجيء إلى الصلاة، أو الإتيان إلى المساجد، وهم في حالة السكر، سكارى: جمع سكران، والسكران مَنْ شرب مسكراً فستر عقله وغطَّاه، ونزلت هذه الآية في مرحلة من مراحل التدرج في تحريم الخمر. ارجع إلى سورة المائدة، آية (٩١)؛ للبيان.
{لَا}: الناهية.
{تَقْرَبُوا}: أيْ: لا تأتوا الصلاة، وأنتم سكارى، عبر عن الصلاة كأنها مكان يقصد إليه، ولم يقل لا تصلوا للإشارة إلى الابتعاد عن المسجد ناهيكم عن عدم جواز صلاتكم، أو لا تدخلوا في الصلاة.
{حَتَّى}: حرف غاية نهاية الغاية، تعلموا ما تقولون، فلا تخطئوا في الترتيل.
{مَا}: إما اسم موصول؛ أيْ: حتى تعلموا الذي تقولون. أو: مصدرية؛ أيْ: تعلموا ما قلتم.
{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِى سَبِيلٍ}:
{وَلَا}: الواو: عاطفة. لا: الناهية.
{جُنُبًا}: معطوفة على جملة حتى تعلموا؛ أيْ: لا تصلوا، وأنتم جنب، أو لا تأتوا إلى الصلاة، وأنتم جنب، وكلمة جُنب لا تُثنى، ولا تؤنث، ولا تجمع؛ فيقال: هو جنب، وهي جُنب، وهم جنب، وهنَّ جنب.
والجنب: من به جنابة، وللجنابة سببان: الجماع، أو الاحتلام.
{إِلَّا}: أداة استثناء، أو حصر {عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا}: ولا تقربوا الصلاة، أو مكان الصلاة، وهو المسجد، أو المساجد، وأنتم جنب.
إلا عابري سبيل؛ أيْ: مجتازين غير قاعدين في المسجد؛ أيْ: غير ماكثين فيه.
{حَتَّى}: حرف غاية (نهاية الغاية).
{تَغْتَسِلُوا}: من الجنابة.
{وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}:
{وَإِنْ كُنْتُمْ}: إن شرطية تفيد الاحتمال، أو ندرة الحدوث.
{مَّرْضَى}: غير قادرين على الحركة، أو الوصول إلى الماء، أو لا تستطيعون استعمال الماء بسبب الجروح.
{أَوْ عَلَى سَفَرٍ}: ولم تجدوا الماء لبعده.
{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}: الحدث الأصغر.
{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}: كناية عن الجماع، كما قال ابن عباس، أو قيل: ملامسة فيها شهوة مثل التقبيل، عليكم بالوضوء أو التيمم لعدم وجود الماء.
{فَلَمْ}: الفاء: للتأكيد، لم نافية تنفي المضارع. {تَجِدُوا}: ماءً للغسل، أو الوضوء.
{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}: أيْ: امسحوا وجوهكم وأيديكم بالصعيد (وجه الأرض أيْ: تراب) ارجع إلى كتب الفقه لمعرفة آراء الفقهاء في التيمم. ارجع إلى سورة المائدة، آية (٦) لمعرفة الحكمة من التيمم بالتراب، كما ورد في الإعجاز العلمي.
{طَيِّبًا}: طاهراً، فالماء والتراب يجعل المرء صالحاً لاستقبال ربه، والطهارة تصلح بالماء والتراب.
{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا}:
{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ}: ولم يقل: منه، كما في المائدة، آية (٦) وهي قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ} حيث أضاف منه وحذفها في آية النساء؛ لأن آية المائدة آية عامة تشمل الوضوء والتيمم، وتشمل ذوي الأعذار والجنب وغيرهم، أما آية النساء جاءت في سياق ذوي الأعذار فقط، وشاربي الخمر، وجاءت في سياق مرحلة من مراحل تحريم الخمر؛ ارجع إلى المائدة؛ لمزيد من البيان.
{إِنَّ اللَّهَ}: إن للتوكيد.
{كَانَ}: تشمل كل الأزمنة، الماضي، والحاضر، والمستقبل؛ أيْ: بأن الله كان، ولا يزال، وسيظل عفواً غفوراً.
{عَفُوًّا}: يعفو عن الخطائين الذين شربوا الخمر قبل العلم بهذا الحكم، وعن الذين خالفوا إذا تابوا إليه، وأنابوا إليه بعد التبليغ.
{غَفُورًا}: ويغفر ذنوبهم غفوراً (صيغة مبالغة) يغفر لهم ذنوبهم مهما كثرت، أو عظمت. ارجع إلى سورة المائدة؛ آية (٩١)؛ لبيان كيف تدرج، تحريم الخمر على أربع مراحل.