سورة التوبة [٩: ٩٢]
{وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ}:
ليس على الضّعفاء، ولا على المرضى، ولا على الّذين لا يجدون ما ينفقون، ولا على الّذين إذا ما أتوك.
{إِذَا}: ظرفية شرطية؛ تفيد الحتمية.
{أَتَوْكَ}: لم يقل: جاؤوك؛ لأنهم أتوا وهم يتطلعون إلى الخروج للجهاد؛ قلوبهم مطمئنة صافية أتوك بسهولة، ولم يجدوا في أنفسهم حرج، أو مشقة.
{لِتَحْمِلَهُمْ}: اللام: لام التّعليل؛ أيْ: لم يجدوا وسيلة نقل، أو ركوب (أيْ: دواب): للخروج للجهاد معك؛ أيْ: سألوا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- أن يحملهم على الدّواب؛ فكان الجواب: لا أجد ما أحملُكم عليه.
{قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ}: أيْ: لم تجد لهم من الدّواب ما تحملهم عليه، وسُمُّوا البكائين، واختلف في عددهم، وأسمائهم. قيل: كانوا ستة، أو سبعة، وكانوا من أشد الفقراء، وليس المهم الأسماء، والعدد، وإنما النية، والقصد.
فكان على المجاهد: أن يعول نفسه في الذّهاب، والإقامة مدَّة الحرب، وأن يجد له وسيلة النقل، وعنده ما يكفيه لعائلة كل ذلك؛ فإذا لم يقدروا على ذلك إذن تكون وظيفتهم أخرى: وهي النّصح لله ورسوله.
{تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ}: أيْ: تفيض دمعاً؛ كأن العين كلها دمع فائض من كثرة بكائهم، وحزنهم؛ أيْ: رجعوا من عندك بعد أن أخبرتهم بالخبر الحزين: أنهم لا يستطيعون الخروج معك؛ لعدم توافر الراحلة.
والفيض: الانصباب بغزارة؛ لشدة حزنهم؛ لعدم الاستطاعة على الخروج، حزناً ألا يجدوا ما سينفقون.
{حَزَنًا}: حَزَنَاً بفتح الحاء، وهناك الحُزْن بضم الحاء، وهناك فرق بينهما.
فالحَزَن: لا ينتهي، ولا ينقضي، كما هو الحال في الحُزْن الّذي سرعان ما ينتهي، وينقضي، وهذا يدل على أنّهم حزنوا حزناً شديداً طويلاً طويل الأمد حتّى ماتوا وهم عليه.
{أَلَّا}: أصلها: أن لا. أن: حرف مصدري؛ يفيد التّعليل، والتّوكيد، ولا: النّافية.
{أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ}: لماذا لم يقل: ألا يجدوا ما يركبون؟ هم أتوك لتحملهم، ما ينفقون تدل على كونهم فقراء ليس عندهم من مقومات الخروج؛ حتّى الزّاد، وما ينفقون تشمل: الطّعام، والرّاحلة.