سورة إبراهيم [١٤: ٥]
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}:
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا}: ولقد: الواو: استئنافية؛ لقد: اللام: لام التّوكيد؛ قد: حرف تحقيق.
{مُوسَى بِآيَاتِنَا}: التّسع إلى فرعون؛ منها: العصا، واليد، والسّنين، والطّوفان، والجراد، والقمّل، والضّفادع، والدّم، أو إلى بني إسرائيل… وغيرها من الآيات؛ ومنها: فلق البحر، وفتق الجبل، وإنزال التّوراة، والمن، والسّلوى، والغمام.
{أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ}: أن: للتوكيد.
{أَخْرِجْ قَوْمَكَ}: بني إسرائيل.
{مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}: ظلمات الكفر، والشّرك، والضّلال، والجهالة إلى نور الإيمان والتّوحيد. ارجع إلى الآية (١) من نفس السورة، ولم يقل في هذه الآية بإذن ربهم كما في الآية (١) من نفس السورة؛ لأنه سبقها قوله تعالى: {فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِى مَنْ يَشَاءُ}، أو ربما لأن دعوة موسى قومه قد تمت ومضت.
{وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ}: حدثهم، أو عظهم؛ لأنهم نسوا ذلك.
{بِأَيَّامِ اللَّهِ}: أي: الأحداث الّتي وقعت لهم، وللأمم السّابقة.
ويقصد باليوم؛ أي: الحدث البارز الهام الّذي وقع في ذلك اليوم، وليس اليوم بذاته؛ أي: بالوقائع، والمحن، والشّدائد، والأحداث المؤلمة الّتي مرت عليهم مثل: قهر فرعون لهم وقتل أولادهم، واستحياء نسائهم، وبنعم الله عليهم مثل فلق البحر، وإنقاذهم من فرعون، وجنوده، والمن، والسلوى، ونتق الجبل فوقهم كأنه ظلة، وإنزال التّوراة، وضرب الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً.
{إِنَّ فِى ذَلِكَ}: إن: للتوكيد.
{فِى}: ظرفية.
{ذَلِكَ}: ذا: اسم إشارة، واللام: للبعد، والكاف: للخطاب.
{لَآيَاتٍ}: اللام: لام التّوكيد؛ آيات: معجزات أو براهين، وأدلة لكلّ صبّار شكور.
{لِكُلِّ صَبَّارٍ}: لكلّ: اللام: لام الاختصاص، كثير الصّبر، مبالغ في الصّبر على وزن فعّال، وإذا قارنا صبَّار بصبور؛ صبور: تدل على الدوام (دوام الصبر)، أو باستمرار، وهذا من الصعب فعله والقيام به، أما كونه صبَّار؛ أي: كثير الصبر فهذا نراه عند بعض الناس، وليس الكل، ولم ترد كلمة صبور في كل القرآن الكريم.
{شَكُورٍ}: كثير الشّكر وتدل على الدوام، وهناك من الناس من هو كثير الشكر، أو دائم الشكر كما أخبرنا الله سبحانه عن نوح -عليه السلام- : {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: ٣]، أو مبالغ في الشّكر في أيّام الله منها الّتي تجلت بأحداث مؤلمة تحتاج إلى صبر كثير، ومنها: ما تجلت بحوادث حسنة تستحق الشّكر؛ أي: كانت آيات تحتاج إلى كثير من الصّبر، أو كثير من الشّكر؛ أي: آيات ابتلاء لكل مؤمن كثير الصّبر، أو كثير الشّكر.
وهذا ما يؤيده حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الّذي أخرجه مسلم في صحيحه: «عجباً لأمر المؤمن إن أمره كلّه خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا المؤمن: إن أصابته سراء شكر؛ فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر؛ فكان خيراً له».
وقد وردت آية: {إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}: في (٤) سور من القرآن:
في سورة إبراهيم هذه الآية (٥)، والآيات هنا تعني: المعجزات الّتي حدثت في زمن موسى -عليه السلام- .
وفي سورة لقمان، الآية (٣١): الآيات هنا تعني الآيات الكونية كقوله تعالى: يولج الليل في النّهار، والنّهار في الليل، والفلك الّتي تجري في البحر، وسخر الشّمس، والقمر كلّ يجري إلى أجل مسمّى؛ الدّالة على عظمة الله وقدرته.
في سورة سبأ، الآية (١٩): الآيات هنا الكفر بنعم الله، وعدم شكر المنعم؛ الأمر الّذي أدّى إلى تمزيقهم وجعلهم أحاديث.
في سورة الشّورى، الآية (٣٣): مزيد من الآيات الكونية الدّالة على عظمة الله تعالى، وقدرته الّتي تدعو إلى التّفكر والشّكر.