سورة هود [١١: ٤٢]
{وَهِىَ تَجْرِى بِهِمْ فِى مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِى مَعْزِلٍ يَابُنَىَّ ارْكَب مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ}:
{وَهِىَ تَجْرِى بِهِمْ}: أي: السّفينة (الفلك).
{تَجْرِى بِهِمْ}: بنوح، ومن آمن معه، جاء بصيغة المضارع بدلاً من جرت؛ ليصور لنا جريان السّفينة أمام أعيننا في وسط هذه الأمواج العالية.
{فِى مَوْجٍ كَالْجِبَالِ}: للدلالة على شدة ارتفاع الموج، وشدة الرياح، وشدة الطّوفان.
{فِى}: ظرفية.
{مَوْجٍ كَالْجِبَالِ}: هذا ما نراه عند حدوث هزة أرضية شديدة تشبه (التسونامي) الّذي يرفع الموج عشرات الأمتار.
{وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِى مَعْزِلٍ}: نادى: تدل على أنّ الابن كنعان كان بعيداً؛ لأنّ النّداء: هو رفع الصّوت.
{وَكَانَ فِى مَعْزِلٍ}: المعزل: اسم مكان منقطع؛ عزل نفسه فيه، وابتعد عن أبيه، وإخوته.
{يَابُنَىَّ ارْكَب مَعَنَا}: يا بني: نداء فيه عطف وحنان، والواجب: أن ينادي الابن أباه، وإذا نادى الأب ابنه؛ كان على الابن أن يستجيب لنداء أبيه، ولكنه عَمِيَ على بصيرته، فلم يستجبْ.
{ارْكَب مَعَنَا}: تعال، واركب معنا في الفلك.
{وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ}: ولم يقل: ولا تكن من الكافرين، هذا النّداء تودُّد، وعطف من أب لابنه الّذي سيغرق عن قريب إن لم يركب في الفلك مع أبيه وأهله، ولم يطلق على ابنه كافر؛ فقال مع الكافرين؛ أيْ: في صحبة الكافرين؛ أيْ: لم يتهم ابنه بالكفر، أو يصفه بذلك؛ مما يؤدِّي بالابن إلى الإصرار على عدم الرّكوب، ورغم جريان السّفينة لا زال هناك إمكانية للركوب، والوقت وقت نجاة؛ النّجاة أوّلاً، ثمّ الإيمان إذا شاء الله، وأذن بعد ذلك.
لنقارن بين هذه الآية (٤٢) من سورة هود: {وَهِىَ تَجْرِى بِهِمْ فِى مَوْجٍ كَالْجِبَالِ}.
والآية (٣١) من سورة لقمان: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ}.
الآية في سورة هود: الرّاكبون في الفلك غير خائفين من الغرق؛ أيْ: نوح ومن آمن معه، وهم ركبوا الفلك بأمر من الله تعالى، والفلك تمخر الأمواج، وما يحدث يدل على عظمة، وقدرة الله تعالى.
أمّا في آية لقمان: الرّاكبون في الفلك خائفون من الغرق، وهم من المشركين، والأمواج؛ كالظّلل؛ أيْ: أصبحت فوق رؤوسهم، وهم في مقام خوف، ورهبة يدعو إلى التّضرع إلى الله؛ لإنقاذهم وهو مقام تحذير.