سورة النور [٢٤: ٣١]
{وَقُلْ لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِى الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}:
{وَقُلْ لِّلْمُؤْمِنَاتِ}: وقل يا محمّد -صلى الله عليه وسلم- للمؤمنات: اللام لام الاختصاص، المؤمنات: اللاتي أصبح الإيمان لهن صفة ثابتة.
وفي الآية السّابقة قال سبحانه: {قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ} وكلمة (المؤمنين) تشمل المؤمنين والمؤمنات معاً، فلماذا عاد ووصى المؤمنات وقال: (قل للمؤمنات) هذا يطلق عليه: ذكر الخاص بعد ذكر العام للتّوكيد؛ لأنّ المرأة هي الّتي تفتح أو تبدأ بالمقدمات الّتي تجر إلى الوقوع في الفاحشة، والخطاب موجّه إلى المؤمنات وليس إلى النّساء عامّة؛ لأنّ المؤمنات هنّ القدوة الصّالحة للمسلمات وغيرهن، أو أفردهن بالخطاب؛ لأن هذه الأحكام خاصة بهن.
{يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}: ارجع إلى الآية السّابقة للبيان.
{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}: ولا: النّاهية، يبدين: الإبداء الإظهار والكشف، الزّينة قد تكون خَلقية: جمال الوجه والعيون، أو مكتسبة خارجة عن أصل الخلقة، وظاهرة: مثل الثّياب وما تلبس المرأة من خمار أو غيره ويراها الغير، وباطنة: لا يراها إلا الزّوج.
{إِلَّا}: أداة حصر.
{مَا ظَهَرَ مِنْهَا}: اختلف الفقهاء في هذه، منهم من قال: الوجه والكفَّان، أو من غير قصد، وقيل: الجلباب والثّياب، ارجع إلى مصادر الفقه.
{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} واختار كلمة الضرب بدلاً من الإلقاء أو الدنو (يدنين)، أو الوضع: للمبالغة في الستر. الآية تشير إلى كيفية إخفاء بعض مواضع الزّينة بعد النّهي عن إبدائها، وليضربن: اللام لام التّوكيد، والنّون في كلمة (يضربن) لزيادة التّوكيد، والضّرب: هو الإلقاء بإحكام، بخُمُرهنّ: الباء للإلصاق والمصاحبة والمبالغة في الضرب، أو الضرب يعني: أن تمد الخمار ليستر عنقها وصدرها، خُمُرهنّ: جمع خمار، والخمار في اللغة: هو غطاء الرأس، ومن الناحية الفقهية: هو ما تُغطي به المرأة رأسها وفتحة الصّدر: الجيب، وأصله من: الخمر؛ أي) السّتر، الّذي يستر العقل.
{عَلَى جُيُوبِهِنَّ}: الجيوب فتحة الصّدر، جمع جيب: الفتحة في أعلى القميص أو مدخل العنق، وهذا يعني ضرب الخمار على الشّعر والعنق والصّدر والنّحر. وأما الإدناء: هو الإرخاء والإسدال، وجاء الإدناء في سياق لبس الجلباب وهو ما يستر الجسم كله من الملابس فوق الثوب.
{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}: أي: الظاهرة إلا عن (١٢ صورة)، واختلف الفقهاء في موضوع الزينة كل عالم يفسرها حسب ما يراه من الأدلة، وكذلك نرى أنه سبحانه لم يذكر مواضع الزينة.
{إِلَّا}: أداة استثناء.
{لِبُعُولَتِهِنَّ}: الأزواج. أصل الزينة للزوج. ارجع إلى سورة هود آية (٧٢) لمزيد من البيان في بعلي.
{أَوْ آبَائِهِنَّ}.
{أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ}: آباء أزواجهن.
{أَوْ أَبْنَائِهِنَّ}.
{أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ}: أبناء أزواجهن.
{أَوْ إِخْوَانِهِنَّ}: الإخوة سواء كانوا لأب أو لأم.
{أَوْ بَنِى إِخْوَانِهِنَّ}: ما هو الفرق بين بني وأبناء؟ بني: تدل على الكثرة، وأبناء: تدل على القلة.
{أَوْ بَنِى أَخَوَاتِهِنَّ}: ولم يذكر العم والخال؛ لقلة الزيارة.
{أَوْ نِسَائِهِنَّ}: تضاربت الآراء حول نسائهن؛ قيل: المؤمنات، وقيل: المختصات بالخدمة والصحبة، سواء مسلمات أو غير مسلمات (الأجنبيات)، وقيل: جميع النساء.
{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ}: أي: الإماء من النساء دون الرجال.
{أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِى الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ}: أي غير ذوي الإربة؛ أي: الحاجة إلى النّساء أي: من غير ذوي الميل والشّهوة، مثل كبيري السّن الشّيوخ والعجزة، أو صغار السّن كالأطفال أو المجانين أو المصابين ببعض الأمراض العقلية. وقيل: غير أولي الأربة صفة للتابعين، وقيل: مستثنى منهم، وعندها يصبح التابعون هم من لا حاجة لهم في النساء كالمصابين بأمراض يفقدون معها الحاجة إلى النساء، فهؤلاء بيح لهم النظر، وأولي الأربة: أصحاب الحاجة إلى النساء.
{أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ}: أفرد كلمة (الطّفل) وجاء بكلمة (الّذين) ولم يقل الّذي؛ لأنّ الأطفال كلّهم كالطّفل من حيث إدراكهم وشعورهم وتصرفهم في مرحلة الطّفولة كلّهم موقفهم واحد، فإذا بلغوا الحلم فيصبح لكلّ واحد منهم نظريته الخاصة، لم يظهروا على عورات النّساء: لم يطّلعوا على عورات النّساء. لم يبلغوا سنَّ البلوغ. وقيل: قبل سن التميز (تميز العورات)، واختلف الفقهاء في هذا السن الذي يمنع فيه الطفل إلى النظر إلى زينة المرأة.
{وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}: أي: لا النّاهية، لا يضربن الأرض بأرجلهنّ حتّى لا يسمع صوت الخلخال أو غيره مما يؤدّي إلى إثارة الشّهوة والفتنة، ولفت الأنظار وإساءة الظّن، وليعلم: اللام لام التّوكيد، يعلم ما: يخفين من زينتهن الباطنة، سواءٌ أكان هذا الضرب مقصوداً، أم غير مقصود كالحركة العفوية.
{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}: أسرعوا بالتوبة بالرّجوع إلى ربكم إذا أخطأتم أو أذنبتم، ولا تعودوا إلى فعل ذلك واشعروا بالنّدم وأكثروا من أعمالكم الصّالحة، لعلكم: لعل للتعليل وتفيد التحقيق؛ أي: الثواب والفلاح، تفلحون: تنجون من النّار وتفوزون بالجنة وتنالون أمانيكم. وانظر إلى كلمة (آية) كيف كتبت بدون ألف (أيها) لتشير قصر الزمن للشروع في التوبة؛ أي: ليكن فورياً بدون تأخير لذلك خفف كلمة (آية).
ارجع إلى سورة البقرة آية: (٥) لمزيد من البيان.
سورة النّور [الآيات ٣٢ - ٣٦]