{خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ}: خلق: أصل الخلق التّقدير، والخلق يعني: الإيجاد، أيْ: أوجد الموت وهو نقص البنية لجسم الإنسان بخروج الروح الباعثة للحياة من جسد الإنسان، أي: انفصال الروح عن الجسد وإذا انفصلت الروح توفيت النفس أيضاً وتحول الجسد إلى بدن، فالبدن جسد بلا روح ولا نفس، كما قال تعالى:{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ}[يونس: ٩٢]، والحياة تبدأ بنفخ الروح في البدن. ارجع إلى سورة الزمر آية (٤٢) لمزيد من البيان، وقدَّم الموت على الحياة؛ لأن الموت مقدَّر في المحفظة الوراثية المكونة من الجينات، والتي يسبق خلقها نفخ الروح في البدن، أو التقديم قد يكون للاهتمام؛ لأن أكثر الناس يغفلون عن الموت، وأما الحياة فهي شغلهم الشاغل، فالتقديم قد يكون للاهتمام والاستعداد للموت، وقيل: تقديم الموت على الحياة؛ لأن الموت يسبق الحياة في مرحلة الأصلاب كقوله تعالى:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ}[البقرة: ٢٨].
{لِيَبْلُوَكُمْ}: اللام للتعليل، يبلوكم: من الابتلاء والابتلاء يكون في الخير والشر، والابتلاء هو استخراج ما عند المبتلى من طاعة أو معصية، ولا يكون إلا بتحمُّل المشاق والمكاره.
{أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}: ولم يقل: أيكم أكثر عملاً، وإنما قال: أحسن عملاً، أيْ: أخلص عملاً لوجه الله تعالى وأصوب، أيْ: على هدي القرآن والسّنة.
{وَهُوَ}: ضمير فصل يفيد التّوكيد.
{الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}: العزيز: مشتق من عزة القوة والامتناع والغلبة والقهر وذكر العزيز (٩٢) مرة في القرآن، ويعني: القوي الذي لا يعجزه شيء، الغالب الذي لا يُغلب والقاهر الذي لا يُقهر، والممتنع لا يحتاج إلى أحد من عباده، ولا ينفعه أحد ولا يضره أحد، الغفور: كثير المغفرة لمن تاب وأناب، والمغفرة: تعني بستر عليه ذنبه ولا يفضحه، أيْ: لا يعاقبه عليه ويعطيه ثواب حسناته كاملة أيْ: لا يطرح سيئاته من حسناته، الغفور: صيغة مبالغة لغافر، أيْ: كثير المغفرة كماً ونوعاً، وقيل: الغفار: يغفر الذّنوب الكثيرة. والغفور يغفر الذنوب الكبيرة أو الكبائر مهما تنوعت وكبرت إذا تاب العبد وأناب إلى ربه.