سورة آل عمران [٣: ١٤٠]
{إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}:
{إِنْ}: شرطية جازمة تدل على احتمال الحدوث، أو ندرته.
{يَمْسَسْكُمْ}: من المس، وهو الإصابة الخفيفة، والمس هو مجرد اللمس.
{قَرْحٌ}: نكرة؛ أيُّ قرحٍ، والقرح: الجرح في البدن نتيجة أثر السلاح، وأدوات الحرب كما حدث في أُحد.
{فَقَدْ}: الفاء: للتوكيد، قد: للتحقيق.
{مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ}: فقد أصاب القوم (قريش، أو الكفار) قرحٌ مثله (يوم بدر). انظر كيف استخدم يمسسكم (فعل مضارع) لما حدث يوم أحد، أو لقرب يوم أحد من زمن نزول الآية، واستخدم مس (فعل ماض) لما حدث يوم بدر.
{وَتِلْكَ}: الواو: استئنافية، تلك: اسم إشارة، واللام: للبعد، والكاف: للخطاب.
{الْأَيَّامُ}: أيام الغلبة، والنصرة، والفوز، والظفر.
{نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}: من المداولة، وهي دوال الشيء؛ أي: نقل الشيء من واحد إلى آخر؛ أي: نصرّفها يومٌ لك ويومٌ عليك، أو تارةً لهؤلاء، وتارةً لهؤلاء.
ولم يقل الحق: نداولها بين المؤمنين، والكافرين؛ لأن ما حدث في أُحد هو مخالفة لأوامر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعصيان، وخروج عن المنهج، وعندما فعلوا ذلك أصبحوا مجرد ناس عاديين مثل غيرهم؛ لأنهم خسروا ميزة الإيمان، وميزة الطاعة، وعندها فإن النصر يكون لكم يوماً، ولهم يوماً؛ لأنكم متساوون معهم في عدم الإيمان، وطلب الدنيا.
وأما لو ظلوا مؤمنين، ولم يعصوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما انتقل النصر إلى غيرهم من الكفار، والدليل على ذلك أنهم كانوا منتصرين في بداية معركة أُحد.
والمقصود بالأيام: ليس الليل والنهار، أو (٢٤) ساعة، بل أيام النصر أوقات الغلبة؛ لأن الله سبحانه قد وعد المؤمنين بأن لن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً.
ومن هذه الآية نعلم: أن المسلمين إذا تخلوا عن نهج الله ودينه، وعصوا رسوله صاروا مجرد بشر كغيرهم من البشر، فإذا اشتركوا في أي معركة، وهم مجرد بشر، والإيمان ليس ميزةً لهم، فالنصر يكون لمن فاق عدده، وعدته؛ لأنهم أصبحوا سواسية (الكل بدون إيمان).
أي: تلك الأيام نداولها بينكم، وبين عدوكم.
{وَلِيَعْلَمَ}: الواو: عاطفة.
{وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا}: ليُري الله الذين آمنوا صدقهم في إيمانهم، أم ادعاءهم، وكذبهم؛ ليقيم عليهم الحجة؛ لأن الله سبحانه يعلم ما هم عليه من إيمان، وإخلاص، ويعلم نواياهم منذ الأزل، ومن هو الفائز، والمنتصر قبل أن تبدأ المعركة.
والغاية من هذا الابتلاء كي يُبيِّن للذي آمن مدى صدقه حتى لا يدعي أنه كان سيفعل كذا، وكذا، أو يجاهد ولم تتسنَّ له الفرصة، أو أنه لو دُعي للجهاد لجاهد، وصمد، وقاتل في سبيل الله، ولكن ما إن يبتليه الله تعالى وتحدث المعركة ينسحب ويفر.
{وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ}: يوم أُحد أو غيره من الأيام؛ أي: ليكرم أناساً منكم بالشهادة؛ لصدق إيمانهم، والشهداء جمع شهيد، وهو من يُقتل في سبيل الله تعالى.
ويجب الانتباه إلى قوله: (وليعلم) و (يتخذ): أضاف اللام في كلمة (ليعلم)، ولم يضفها في (يتخذ)، ولم يقل: وليتخذ منكم شهداء.
لأن الأهمية في كلمة (ليعلم) أشد، وأهم من كلمة (يتخذ منكم شهداء)؛ أي: إقامة الحجة، وابتلاء الذين آمنوا عند الله أهم من اتخاذ الشهداء.
وإذا كان الأمران متساويين في الأهمية، كما في آية (١٢) من سورة الإسراء: {لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ}: الأهمية كما في لتبتغوا، ولتعلموا متساوية، جاء باللام في كلا الأمرين.
{وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}: أي: المنافقين الذين انصرفوا راجعين يوم أحد مع ابن أُبي ابن سلول.
أو هؤلاء الذين عصوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يثبتوا في مقاعد القتال، بل غرَّتهم الغنائم والدنيا؛ مما أدَّى إلى الهزيمة، والفشل.