{فَأَنجَيْنَاهُ}: الفاء للترتيب والتّعقيب؛ أي: مباشرة من الطّوفان أنجينا نوحاً، أنجيناه تدل على السّرعة والقوة الّتي تمت فيها عملية الإنجاء، ولم يقل فنجّيناه الّتي تدل على البطء والزّمن الطّويل. كما في سورة يونس آية (٧٣){فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ} التي تدل على النجاة من قومه بعد أن لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً.
{وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ}: الّذين ركبوا معه فيها سمّاهم أصحاب السّفينة، وقيل: كان عددهم (٣٠-٨٠) ولأنّ السّفينة صنعت من أجلهم فهي ملكهم جميعاً، فقال: أصحاب السّفينة؛ وهم نوح وأولاده الثّلاثة: سام وحام ويافث، ومن آمن معه، وكما قال تعالى:{وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}[هود: ٤٠].
{وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ}: وقد اكتشفت هذه السّفينة في شرقي تركيا على جبل الجوديّ في عام (١٩٤٨) وكان طولها يقارب (٣٠٠) ذراع وعرضها (٢٠) ذراعاً، آية وعبرة ودلالة ومعجزة تدل على عظمة الله وقدرته، فهي أول سفينة تصنع على الأرض، للعالمين: اللام لام الاختصاص، للعالمين: للمؤمن وللكافر.
وقدّم آية على العالمين؛ لأنّها الآية الوحيدة الّتي سيتعظ بها كلّ النّاس أو عبرة للعالمين؛ لأنه يتحدث عن السفينة، ولم يقل للعالمين آية كما قال تعالى في سورة الفرقان آية (٣٧){وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً} فتقديم الناس على الآية في هذه؛ لأنه يتحدث عن إغراق قوم نوح كما أغرق غيرهم من الناس. ارجع إلى سورة الفرقان آية (٣٧) للبيان.
قوله تعالى:(آية للعالمين) لأنّ السّفينة بقيت في مكانها تراها الأجيال بعد الأجيال وأثرها باقٍ إلى اليوم في بعض المتاحف.
أما قوله تعالى:(لآيات لقوم يؤمنون) لأنّ إحراق إبراهيم عليه السلام ونجاته في ذلك الوقت كان عبرة لمن شاهده وآمن به، ونحن نؤمن بذلك؛ لأنّ الله تعالى أخبرنا بذلك فهي آيات وليست آية وخاصة بالمؤمنين.