للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة الأحقاف [٤٦: ١٥]

{وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَى وَالِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرِّيَّتِى إِنِّى تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّى مِنَ الْمُسْلِمِينَ}:

{وَوَصَّيْنَا}: كلفنا أمرنا من وصَّى فيها حثٌّ واهتمام.

الفرق بين وصَّى وأوصى: وصَّى تستعمل لما هو أهم مثل أمور الدِّين والأمور المعنوية، وأوصى تستعمل للأمور المادية عادة، أيْ: طَالَب وأوصاه: طلب منه. ارجع إلى سورة النساء آية (١١) للبيان المفصل.

{بِوَالِدَيْهِ}: الباء للإلصاق والملازمة، الوالدان: تطلق على الأب والأم بحكم الإنجاب؛ أي: الوالدة: من الولادة التي تقوم بها الأم، والوالد من الولادة، أما الأبوان: الأب والأم بحكم التّربية.

{إِحْسَانًا}: أعلى درجات البر والحُسن إحساناً: أمكن وأفضل من (حسناً) وتعني المعاملة الحسنة وزيادة، (حسناً): كلمة تجمع كلّ معاني الحُسن وأقل درجة من (إحساناً). ارجع إلى سورة النساء آية (٣٦)، وسورة البقرة آية (١١٢) لمزيد من البيان في معنى الإحسان.

{حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا}: كُرهاً: بضم الكاف: ما أكرهت نفسك عليه؛ لأنّك راغب في القيام به رغم أنّه شاق ومضنٍ، فالمرأة تفرح بالحمل وبولادة الولد رغم مشاق الحمل والآلام، ولا تمانع في الحمل فهو محبوب لديها، أمّا الكَره: بفتح الكاف فهو ما أكرهك غيرك على فعله، أيْ: تقوم به وأنت كاره له حقيقة وقسراً؛ أي: الكره الحقيقي كقوله تعالى: {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: ٨]، وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [محمد: ٩].

{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}: الحمل والرّضاعة (٣٠) شهراً، والرّضاعة: حولين (٢٤) شهراً لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: ٢٣٣] أيْ: (٢٤) شهراً، فإذا طرحنا (٢٤) شهراً من (٣٠) شهراً تبيَّن لنا أن الحمل (٦-٩) أشهر، ومن هذه الآية نعلم أنّ الوليد الخديج يمكن أن يعيش إذا ولد بعد ٦ أشهر. وهذا من الإعجاز العلمي الطبي للقرآن الكريم.

{حَتَّى}: حرف نهاية الغاية، إذا عاش وبلغ أشده.

{إِذَا}: ظرف زماني.

{بَلَغَ أَشُدَّهُ}: كمال القوة البدنية وهي (٣٠) سنة أو (٣٣) سنة.

{وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً}: كمال القوة العقلية وهو سن النّبوة عند الجمهور، ولم ينبئ نبي قبل الأربعين إلا عيسى ويحيى -عليه السلام- .

{قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ}: رب أوزعني تعريف الوزع: هو الكف والمنع، أيْ: كفني أو امنعني عن كل ما يؤدِّي إلى كفران نعمتك، وقيل: الوزع: الإلهام، أيْ: ألهمني أن اشكر نعمتك، وقيل: الوزع الإغراء، أي: الولوع بشكر النّعمة، أيْ: لا أنفك عن شكر نعمتك والدّوام على ذلك أو اجعلني ملازماً ذاكراً أن أشكر نعمتك.

{الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَى وَالِدَىَّ}: نعمة الإيمان والتّوحيد ونعمة الإسلام والهداية والرّشد والصّحة والعافية وسعة العيش، النّعمة: لا تعدُّ ولا تحصى، وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها، وعلى والدي: الوالد والوالدة المؤمنين.

{وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا}: الواو للعطف، أن للتوكيد، أعمل صالحاً: الفرائض والسّنن وكل ما يحقق رضا الله عزَّ وجلَّ.

{تَرْضَاهُ}: تتقبله.

{وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرِّيَّتِى}: الذرية: هم الأولاد أو النسل، وقيل: الذرية: النساء والأولاد، والذرية قد تعني أيضاً: الآباء والأجداد؛ أيْ: وفقهم للعمل الصّالح، وفي تفيد الاستمرار في العمل الصّالح، أيْ: زدهم علماً في الدِّين وصلاحاً ورشداً وهداية.

{إِنِّى تُبْتُ إِلَيْكَ}: إنّي للتوكيد، تبت إليك: من ارتكاب السّيئات وعدم العودة إليها والنّدم عليها. ارجع إلى سورة النساء آية (١٧-١٨) لمزيد من البيان في أركان التوبة.

{وَإِنِّى مِنَ الْمُسْلِمِينَ}: وإنّي للتوكيد، من ابتدائية، المسلمين: المخلصين الموحدين لك والمطيعين الخاضعين لأمرك ونهيك.