للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة النساء [٤: ٣٤]

{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَالَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}:

{الرِّجَالُ}: ولم يقل: الأزواج؛ لأن الرجال تعني: الأزواج، وتعني الأب، والأخ؛ فالزوج قوَّام على زوجته، والأب قوَّام على بناته، والأخ قوَّام على أخواته، والنساء: تعني الزوجات، والبنات، والأمهات، والأخوات.

{قَوَّامُونَ}: مشتقة من القيام، وتعني: الرعاية، والحماية، والإصلاح.

والقوامة تحتاج إلى تعب، وجهد، وسعي، وهذه هي مهمة الرجل.

وقوَّام صيغة مبالغة للقيام؛ تعني: الكثرة، والتعب، فالقائم قد يؤدِّي مهمة لمرة واحدة، أو عدة مرات، أما القوّام؛ فتعني: الاستمرار، والديمومة على القيام، وليس القوامة كما يظنها البعض السيطرة، وكتم الأنفاس، والأفضلية، وهذه القوامة لها سببان، كما قال سبحانه وتعالى:

الأولى: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}.

انتبه إلى قوله سبحانه: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}.

وهذا يعني: أن الرجل له أوجه تفضل تفوق المرأة في الكدح، والجهد، والتعب، وتحمل المشقة والطاقة، فهو المكلف بالسعي، وكسب الرزق، والمرأة لها أوجه تفضل تفوق الرجل في الرعاية، والحنان، والأمومة، والتربية.

هذا التفضيل عائد إلى المقومات الخلقية والجسدية، التي يختلف فيها بناء الرجل عن بناء المرأة.

والثاني: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}: مثل: إعطاء المهر، والنفقة عليهنَّ، وعلى المسكن، والعيال. كل ذلك من واجبات الرجل للزوجة، والأب للبنت والأخت.

ثم بيَّن الله تعالى: فالصالحات قانتات، حفظ الله، فالصالحات: جمع صالحة، وهي المؤدِّية لحقوق الله سبحانه وتعالى، وحقوق زوجها وغيره.

قانتات: من القنوت: الطاعة، طائعات لله وأزواجهنَّ؛ أيْ: قائمات بواجبهنَّ تجاه الله تعالى؛ أيْ: حقوق الله تعالى، وحقوق أزواجهنَّ.

{حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ}: حافظات لفروجهنَّ؛ أيْ: لغيب أزواجهنَّ؛ أيْ: صيانة أنفسهنَّ من الفاحشة، أو المنكر، وأموال أزواجهنَّ، وغيرها.

{بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}: أيْ: بالمنهج الذي وضعه الله للحفظ، والالتزام به، ويشمل غض البصر، وعدم الخضوع بالقول، فيطمع الذي في قلبه مرض {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ}، وعدم التبرّج، والإسراف، والتبذير.

كما قال سبحانه: {وَقُلْ لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: ٣٠-٣١].

{وَالَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}:

{وَالَّاتِى}: اسم موصول.

{تَخَافُونَ}: أيْ: لا زلتم في مرحلة الخوف، فلا تتركوا المسألة حتى يحدث النشوز، أو النشوز أمر متوقع.

{نُشُوزَهُنَّ}: يعني: التكبر على الزوج، والترفع عنه، وعدم طاعته، وعصيانه، والخروج متبرجة عارية مثلاً.

وأصل النشوز في اللغة: الارتفاع. النشز: المكان المرتفع.

واصطلاحاً: هو الخروج عن طاعة الزوج، وقد يحدث كذلك من الرجل هو الذي ينشز.

{فَعِظُوهُنَّ}: من الوعظ: وهو التذكير بالخير، والنصيحة، والإرشاد برفق، وحكمة باللسان، والتحذير من عواقب الأمور، والموعظة تكون بالقول والفعل.

{وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ}: والهجر في المضجع؛ يعني: ترك الجماع، أو ترك الكلام، أو فقط هجر الفراش، أو استعمال كل ذلك معاً، والهجر يكون عند ظهور النشوز، ولا يعني ذلك ترك منزل الزوج، والذهاب إلى بيت أهلها.

{وَاضْرِبُوهُنَّ}: هذه هي المرحلة الثالثة، ويعني الضرب غير المبرح الذي لا يؤدِّي إلى الإيذاء، والنفور، وزيادة العداوة، وتدخل الشرطة والأهل.

وبعض أهل العلم قالوا: الوعظ عند خوف النشوز، والهجر عند ظهور النشوز، والضرب عند تكرر النشوز والحاجة إليه.

{فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ}: وتركن النشوز؛ فإن: الفاء عاطفة. إن: الشرطية، وفيها معنى الاحتمال والشك، أو القلة بعكس لو قال: فإذا أطعتكم التي تعني: الكثرة والحتمية؛ لأنه سبحانه يعلم أحوال عباده.

{فَلَا}: الفاء: رابطة لجواب الشرط.

{تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا}: تبغوا: من البغي؛ عليهن: على تعني: العلو والمشقة؛ أي: بعد انتهاء النشوز، فلا تؤذيها وتتعالى عليها بأي طريقة، أو سبيل، والبغي: هو الظلم باستعمال القهر، والقوة، والتعسف.

{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}: إن: للتوكيد، كان: تشمل كل الأزمنة.

العلي: هو الأعلى، لا يعلوه أحد بصفاته، وذاته عن مشابهة خلقه، ولا يحيط به وصف، علو الشأن، والقدر، والذات، والصفات، والمنزلة. اسم العلي ذكر في القرآن ثماني مرات: العلي العظيم، العلي الكبير، علي حكيم…

{كَبِيرًا}: العظيم الشأن، الجليل ذو الكبرياء في ذاته، وصفاته، وأفعاله. الكبير في عظمته، وكل شيء يصغر أمام عظمته، وأكبر وأعظم من خلقه، ومن كل شيء، الكبير الذي كل شيء دونه، وذكر اسمه الكبير خمس مرات في القرآن.

في هذه الآية تهديد من الله عزَّ وجلَّ للرجل بعدم التعالي على الزوجة، والتكبّر، والرأفة، والرحمة بها، وليعلم أن الله أعلى منه، وأكبر منه إذا بغى واعتدى.