سورة آل عمران [٣: ١٤٦]
{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَّبِىٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}:
المناسبة: هذه الآية فيها تذكير لصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين قاتلوا يوم أُحد، لماذا لا يكونوا كهؤلاء الربيين الذين قاتلوا مع أنبيائهم في السابق، أو في غيرها من المعارك والغزوات.
{وَكَأَيِّنْ}: مركبة من كأن التشبيه، وأي المنونة، فصارت كلمة واحدة: كأين عند أكثر النحاة، وهناك من قال اسم غير مركب، ووردت في القرآن في (٧) آيات هي: آل عمران (١٤٦)، يوسف (١٠٥)، الحج، (٤٥، ٤٩)، العنكبوت (٦٠)، محمد (١٣) الطلاق (٨)، ولم ترد في القرآن إلا مقرونة مع (من)، ومعناها بمعنى كم الخبرية التي تفيد التكثير وتفيد التفخيم وربما الاستفهام، ولمقارنة كأين، ويكأن: ارجع إلى سورة الحج، آية (٤٥).
{مِنْ}: ابتدائية.
{نَّبِىٍّ}: أي: كثير من الأنبياء، {قَاتَلَ مَعَهُ}: ربيون؛ أي: جاهدوا معهم، ونصروهم في الدنيا.
{رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}: أي: ناس ذو خبرة عسكرية قتالية، وسياسية بالمفهوم الحديث، أو بالمعنى القديم (يفهمون سبل الحرب)، وهم عادة أتقياء، وعباد صالحون مؤمنون برسالة أنبيائهم. كثير: (جماعة كثيرة).
وما هو الفرق بين (ربيون، وربانيون) كما ورد في قوله تعالى في آية (٧٩) من سورة آل عمران: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّنَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}.
الربانيون: تطلق على العلماء الراسخين في علوم الدِّين، والفقه، الأتقياء الصالحين. ارجع إلى الآية (٧٩) من آل عمران؛ لمزيد من البيان.
ربيون: خبراء، أو ذوي خبرة في علوم الدنيا، ومنها الخبرة العسكرية، والقتالية، الأتقياء الصالحين، كما قلنا سابقاً.
{فَمَا}: الفاء: للتوكيد، ما: نافية.
{وَهَنُوا}: من الوهن، وهو الجبن، وخور القوى مع كون الجسم قوياً، ولا علة فيه، ومحله القلب، ومنه الخوف الشديد الذي يصيب الإنسان؛ فيؤدِّي إلى عدم الرغبة في الجهاد في سبيل الله، أو للقعود عن الجهاد.
{لِمَا أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ}: أي: ما: بمعنى الذي، وما أعم وأشمل من الذي أصابهم في سبيل الله من الجراحات والقتل والأسر وغيرها لم يؤدِّ بهم إلى الوهن، ولا الضعف، ولا إلى الاستكانة.
{وَمَا ضَعُفُوا}: تكرار (ما) يفيد زيادة التوكيد. وفصلَ كلاً على حدة، الوهن والضعف، ولا كلاهما.
والضعف: بفتح الضاد يكون في الجسم والرأي، أو العقل.
والضُّعف: بضم الضاد يكون فقط في الجسم (مرض عضوي).
{وَمَا اسْتَكَانُوا}: ما: النافية. الاستكانة: من السكون: وهو عدم الحركة؛ لأن الذي يحارب يحتاج إلى فرٍّ وكرٍّ، وتعني هنا: استسلموا، وخضعوا، وذلوا لأعدائهم.
{وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}: أي: هؤلاء الربيون يجب عليهم الصبر في سبيل الله، والثبات في أرض المعركة؛ لأن الله يحب الصابرين.