للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة آل عمران [٣: ١٧٦]

{وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْـئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِى الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}:

{وَلَا}: الواو: استئنافية، لا: الناهية.

{يَحْزُنكَ}: من الحزن، وهو غم يصب النفس لرؤية، أو سماع ما يسوءُه ويكرهه، وهناك فرق بين الحزُن بضم الزاي، والحزَن بفتح الزاي. ارجع إلى سورة الأنعام، آية (٣٣)؛ للبيان.

فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحزن فعلاً حين يرى بعض الناس يسارعون في الكفر، وكان -صلى الله عليه وسلم- يحرص على إيمان كل إنسان، وهذا الحرص هو الذي دفعه إلى الحزن، ولا غريب في ذلك؛ لأنه رحمةٌ للعالمين.

{يُسَارِعُونَ فِى الْكُفْرِ}: ولم يقل: يسارعون إلى الكفر؛ لأنهم أصلاً، أو سابقاً كانوا منغمسين في الكفر، ولم يكونوا مؤمنين، أو كانوا غير كافرين، وهم يسارعون إلى الكفر الآن، وقيل: هم المنافقون، وكفار قريش، وأبو سفيان، أو اليهود يسارعون في الكفر، أو يسارعون في الكفر؛ أي: يزدادون كفراً؛ بارتكاب أنواع جديدة من المحرمات، أو المعاصي والفساد. ويسارعون فيها معنى شدة الحرص على المسارعة وكثرتها وتكرارها بدلاً من يسرعون.

أو كانوا يخفون كفرهم، وهم الآن يظهرون كفرهم على العلن، وليس مسارعتهم في الكفر تقصيراً منك يا محمد -صلى الله عليه وسلم- في إبلاغهم، أو دعوتهم.

{إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْـئًا}: إنهم: للتوكيد، لن: حرف نفي تنفي المستقبل القريب، والمستقبل البعيد.

يضروا الله شيئاً: شيئاً: نكرة؛ أيَّ شيء مهما كان نوعه صغيراً، أو كبيراً، لا في ذاته، ولا ملكه، ولا رسوله، والتنكير يدل على قلة وحقارة ما يفعلونه من الإسراع، أو محاولة الضرر.

انتبه إلى قوله: لن يضروا الله شيئاً: المفروض أن يقول: لن يضروك شيئاً، أو: لن يضروكم شيئاً؛ لأن المعركة هي بين الذين كفروا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والمؤمنين، ولكن الله سبحانه وضع ذاته طرفاً في المعركة بدلاً من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين؛ لأن عِداءَ الرسول والمؤمنين هو عداءٌ لله تعالى عزَّ وجلَّ.

فكأن المعركة هي معركة بين الله سبحانه القوي العزيز، وبين الكافرين، فلا يهمكم أمرهم، ولا تحزنوا عليهم.

فهم لا يضرون إلا أنفسهم وسيذوقون وبال أمرهم.

ثم بيَّن الله سبحانه كذلك ما ينتظرهم من جزاء.

{يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا}: أصلها أن + لا، أن: للتوكيد، لا: للنفي؛ أي: توكيد النفي.

{يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِى الْآخِرَةِ}: الحظ هو النصيب؛ أي: نصيباً من الثواب؛ أي: الأجر في الآخرة، والحظ: يأتي في سياق الخير فقط (في القرآن)، والنصيب: يأتي في سياق الخير والشر، وتدل الآية أن لا: ليس هناك أملٌ، ولا رجاءٌ في أي حظ (ثواب) في الآخرة.

{وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}: اللام في لهم للاختصاص، عذاب عظيم: في ألمه، وكميته، وقدره، ومدته، ونوعه؛ فهو أعظم أنواع العذاب، وأشد من العذاب المهين والأليم.